هي واحدة من الملفات الغامضة في تاريخ المغرب، إنها المفاوضات السرية للدولة التي طبعت ممارستها السياسية للحكم بطابع فريد وغريب، حين كشفت عن قصص مثيرة ستكشف فيما بعد عن الوجه الحقيقي للعوالم الخفية في عالم السياسة والسياسيين. حسب المتعارف عليه عند المؤرخين والباحثين، فقد كانت الممارسة السياسية تتم، دائما، وراء أسوار القصر الملكي منذ عهد الحماية حين كان الملك الراحل محمد الخامس يعقد اجتماعات مع قادة الحركة الوطنية بعيدا عن أجهزة الإقامة العامة. كما درج قادة الأحزاب بعد الاستقلال على اللقاء في بيوت بعضهم لاتخاذ قرارات سياسية سواء في التحالف بينهم أو في التفاوض مع القصر. ولعل هذا ما كان يدفع بأجهزة الملك الراحل الحسن الثاني من الاهتمام بدس أو اختراق بعض الأجهزة القيادية للتعرف على ما دار في هذه الجلسات السياسية الخاصة التي كانت تنظمها بعض مكونات المعارضة، وخاصة منها الاتحادية. فحتى الملك الراحل الحسن الثاني، وهو يهيئ للتناوب وخلافة ابنه على العرش، حرص على استقبال الزعيم الاتحادي عبدالرحمان اليوسفي في سرية تامة، كما عمد الملك نفسه، وهو يحاول الاتفاق مع المهدي بنبركة بعد أحداث الدارالبيضاء، إلى بعث ابن عمه مولاي المهدي للتفاوض معه بشأن رجوعه إلى المغرب، في إطار مصالحة سياسية، أجهضها وزير الداخلية آنذاك، الجنرال أوفقير. وفي عز الحرب التي كانت دائرة بين القوات المسلحة الملكية بالصحراء، ومقاتلي جبهة البوليساريو، عقد الحسن الثاني مفاوضات سرية ترأسها ولي العهد آنذاك، بحضور وزير الداخلية السابق إدريس البصري، مع بعض قياديي الجبهة قصد التوصل إلى تسوية سياسية، لكن بدون نتيجة. لم تقتصر المفاوضات السرية على فصيل سياسي معين، بل همّت شخصيات عديدة وعقدت تحت مسميات متعددة، لم تستثني إسلاميي المملكة، ولا المعارضين ولا المنفيين ولا حتى نشطاء حركة 20 فبراير، عشية الربيع العربي، وهي مستمرة إلى الآن مع اختلاف السياق، والزمان والمكان، فهي مفاوضات الخيط الناظم فيها هو رغبة في الاحتواء، والإدماج بشروط، كما تم مع إخوان بنكيران، أو جماعة العدل والإحسان، فقد عمل الملك الحسن الثاني على بعث بعض المقربين منه، خاصة الراحل عبدالكبير العلوي المدغري، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية آنذاك، للتفاوض مع جماعة الشيخ ياسين، ودفعها لتقديم تنازلات عن بعض من مواقفها من مؤسسة إمارة المؤمنين، مقابل السماح لها بالمشاركة السياسية، لكن يبدو أن هذه المفاوضات السرية لم تنجح، لكنها في المقابل مهدت الطريق سالكا لحزب العدالة والتنمية نحو الحكومة. حسب المهتمين، فإن هذه المفاوضات السرية، لا تعدو أن تكون نوعا من الغزل الاجتماعي – السياسي قد تؤدي إلى نتائج أو قد لا تؤدي، كما أن المشاركين فيها من جانب المعارضة في الغالب ما ينقسمون إلى جناحين أو أكثر وتتفرق بهم السبل، خصوصا إذا كانت هناك نتيجة عملية، أي يتم إدماج البعض في النظام، عبر مبادرة أو مشروع سياسي جديد، لمن يقبل تقديم تنازلات، وتهميش من لا يقبل التنازل عن المبادئ أو عما اتفق حوله قبل الدخول في المفاوضات، إلا أن المجمع عليه بالنسبة إلى المتتبعين، فإن هذه الأخيرة حينما تتم في سرية تامة، فإنها حتما تضعف المعارضة، ورقابة الجماعة على القيادة وتخدم الاستراتيجيات الفردانية والوصولية. وهي النتيجة التي وصلها سياسيون خاضوا هذه التجربة، مكتوين بنارها كما خلص لذلك، المهدي بنبركة في وثيقة وسمها ب: “الاختيار الثوري” الذي كان يلح على أن تجربة المفاوضات مع القصر “بعيدا عن الجماهير” كانت خطأ فادحا وفشلا ذريعا، وأنه على المعارضة تجنب هذا المسلك، إذا ما أرادت فرض الإرادة الشعبية على الحكم.