يونس مسكين -سليمان الريسوني مع اقتراب حلول الذكرى 20 لاعتلاء الملك محمد السادس العرش، قفز واحد من أكثر الملفات تعقيدا التي ورثها الملك الحالي عن والده الراحل الحسن الثاني إلى الواجهة، وهو ملف المصالحة العالقة مع منطقة الريف شمال المملكة. في الكواليس تحركات واتصالات ومبادرات مكثفة لطي ملف معتقلي حراك الحسيمة، عامان بعد اتخاذ قرار الحسم الأمني للاحتجاجات التي انطلقت في الحسيمة متم أكتوبر 2016، إثر الوفاة المأساوية للشاب محسن فكري، والذي لقي مصرعه تحت ثقل آلة الضغط الخاصة بشاحنة النفايات التي كانت تتلف كمية الأسماك التي حجزتها السلطات منه بدعوى عدم ترخيصها. وقبل أسبوع واحد من الآن، كان اجتماع كبير ونوعي ينعقد في إحدى قاعات فندق رباطي، بدعوة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومشاركة عدد من المؤسسات الدستورية المكلفة بالوساطة والتقنين، إلى جانب عشرات الحقوقيين والفاعلين المدنيين، خاصة منهم المنحدرين من منطقة الريف. فهل يُكتب لهذا الملف الحقوقي-السياسي أن يُطوى بشكل نهائي بمناسبة الذكرى 20 لعيد العرش، أو عيد الأضحى المقبل على أبعد تقدير؟ أم إن رفاق ناصر الزفزافي سيقضون مزيدا من الشهور والسنوات داخل الزنازين الباردة، وهم الذين قادوا احتجاجات شعبية يجمع الكل على سلميتها وشرعيتها؟ في خلفية هذا الملف الذي استعصى على هيئة الإنصاف والمصالحة ولم يشمله الطي بعد مرور 20 عاما على رحيل الحسن الثاني، يوجد سوء فهم عميق يراه البعض شعورا خاصا لدى بعض من أبناء المنطقة بالهوية المتميزة والكبرياء، فيما ينظر إليه البعض الآخر من زاوية توجس الدولة من تحويل رمزية شخصية استثنائية اسمها عبدالكريم الخطابي، إلى مشروع يمس بسيادتها. فهل تأسست بالفعل في منطقة الريف جمهورية ودولة مستقلة عن المغرب؟ أم إن الأمر، وفي غياب دولة مركزية قوية، وفي ظل وضع البلد المقسم بين استعمارين فرنسي وإسباني، حيث سلطة المخزن الشريف على الدولة – في عهد السلطان المولى يوسف- ضعيفة ومراقبة وموجهة من طرف الإقامة العامة الفرنسية وسلطات الاحتلال الإسبانية.. تطلب من مجموعة من المجاهدين تشكيل كيان لحماية مقاومتهم وجهادهم من أي اختراق؟ معطيات التاريخ تقول إن القاسم المشترك الذي كان يجمع بين “رئيس جمهورية الريف” وأبسط رجل في الريف، هو حمل السلاح وخوض الحرب. فمنذ قيام ما سمي بجمهورية الريف سنة1921، وإلى حين سقوطها في 1926، لم يشهد الريفيون يوما من دون حرب، أو من دون التفكير فيها والتهييء لها،” فلم يكن رئيس الجمهورية طيلة السنوات الخمس، من عمر الجمهورية، إلا أمير الجهاد دون مدلول آخر، والقائد الأعلى لقوات المجاهدين”، يؤكد محمد بلحسن الوزاني. استحضار هذه الحقبة ووقاعها لا يمكن أن يتم دون الأخذ بعين الاعتبار الصراعات الإقليمية والدولية التي كان المغرب مسرحا لها. ففي مذكراته لم ينف عبدالكريم الخطابي اتصاله سنة 1915 بشخص ألماني اسمه فرانسيسكو فارل، من دون أن يخبرنا عن الأسباب الحقيقية التي تدفع رجلا ألمانيا للتحريض ضد فرنسا أو إسبانيا. فهل يمكن أن تكون فكرة الجمهورية قد استهوت عبدالكريم لدرجة التحالف مع الألمان، الذين كانوا يسعون إلى السيطرة على مناجم الثروة بالريف؟ هذا ما أراد المؤرخ عبدالكريم الفيلالي قوله في كتابه:” التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير”. كيف ذلك؟” من خلال ما نقله الصحافيون من مختلف الجنسيات عن الزعيم عبدالكريم نفسه، ما يؤكد أن” دولة الريف” في اعتباره وما خطط له شيء واقع انساق إليه واستهواه”. فهل يعني ذلك أن بن عبدالكريم كان مجرد أداة لتنفيذ مخطط أكبر منه، وأن هذا المخطط كان من الممكن أن يسند أمر تنفيذه إلى أي شخص آخر؟ ولكن، كيف استطاع الخطابي أن يعد العدة للحرب ويجمع القبائل حوله؟ يجيب الفيلالي: “حسب الذي يتبين من الاستنتاج أنه (أي محمد بن عبدالكريم الخطابي) خطّط وتابع التخطيط اتفاقا مع الزعامة ومن وراء المجاهدين الذين كانوا حسب اعتقادهم وصادق نواياهم إنما يحاربون الكفار ولم يدركوا أن الذين وراء الجميع، إنما هم الألمانيون أصحاب شركة “مانسمان”، وذلك حتى تضفي (شركة مانسنمان) المشروعية على وجودها واستغلالها الذي كان حوله نزاع من أجل الامتياز الذي حصلت عليه فيما يتعلق بمنجم الحديد… في اللقاء الذي نظمه المجلس الوطني لحقوق الإنسان الأسبوع الماضي، شدّد الأستاذ الجامعي محمد سعدي على أن الشعور بالظلم لا علاقة له بالاقتصاد. “فقد تُحوِّل الحسيمة إلى “مونتي كارلو”، لكنك لن تحل مشكلة الظلم التي تتطلب أمورا رمزية، لماذا لا يصبح علم الخطابي مثلا خاصا بالجهة عوض وصفه بعلم الجمهورية؟ ثم نحن في منطقة فيها حزن لأننا نفتقد لأماكن الذاكرة، لماذا لا نحول ذكرى أنوال إلى مناسبة للاحتفال؟”. فهل يخطو المغرب خطوة جديدة نحو تجاوز عقد الماضي ومخلفاته؟ وهل يكون الإفراج عن ناصر الزفزافي ورفاقه أولى الثمار؟