بعد مرور سنتين على وفاته يوم 4 يوينو 2017، تعيد «أخبار اليوم» خلال هذا الصيف نشر، في حلقات، مجموعة من المقالات التي سبق ونشرها الكاتب الإسباني العالمي خوان غويتيسولو (ازداد سنة 1931) ، في صحيفة «إلباييس» منذ سنة 2000 حول المغرب، بشكل خاص، والمغرب الكبير والعالم العالم، عامة. من بين العديد من الحراكات التي تهز العالم العربي (والتي تمتد في سياق آخر إلى ذلك الذي شهدته مدريد يوم 15 مارس 2011 في لابورتا ديل السول)، يبقى الحراك السوري الأكثر شجاعة ومثالية. بعد الحصار الوحشي لمدينة درعا، معقل الاحتجاجات، لم يتردد بشار الأسد، على الرغم من الصورة السائدة عنه بصفته رجلا طيبا ومصلحا، قادرا على تحويل الاستبداد الصلب لوالده إلى ديكتاتورية ناعمة؛ في إرسال المدفعية والدبابات القتالية التابعة للحرس الرئاسي والفرقة الرابعة المدرعة إلى حمص، اللاذقية، بانياس وضواحي العاصمة «المتمردة». سيرا على منوال صديقيه الديكتاتورين في ليبيا واليمن، يؤكد بشار أن المتظاهرين غرر بهم من لدن عصابات سلفية وإرهابية، رغم من الواقع اليومي ينكر ذلك. فمقاطع الفيديو المنشورة على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك خير دليل وشاهد على ذلك، إذ تظهر فقط شعبا أعزل يتظاهر سلميا يتعرض لقمع وحشي. الجيش والشرطة يقومان بعمليات التطهير للحفاظ على وضع السلام؛ سلام المقابر للضحايا وذويهم. الموقع الاستراتيجي لسوريا، البلد الذي يتقاسم الحدود مع العراق ولبنان والأردن وإسرائيل، يفسر الاحتراز والحذر اللذين طبعا خطاب أوروبا الأسبوع الماضي. الضربة الموجعة التي تلقاها كل من القذافي وعبد الله صالح (من شعبيهما) لإجبارهما على التنحي فورا عن الحكم لفسح المجال لإقامة نظام ديمقراطي؛ لا تصل إلى بشار الأسد، المفاوض الذي لا مفر منه للتوصل إلى اتفاق سلام خيالي الآن مع إسرائيل، بل في حالته هو تحديدا يتعلق الأمر بمجرد قرصة أذن. لا يمكن استبعاد خطر انفجار صراع طائفي مثل الذي عاناه العراق بعد الغزو الأمريكي المشؤوم سنة 2003، لكن لا ينبغي أن يستعمل ذريعة من لدن نظام قمعي يحتقر حياة مواطنيه. فقد أزالت ديكتاتورية بشار الأسد القناع التحاوري الذي كانت تظهره عندما زرت دمشق قبل أكثر من عام. إن القمع العنيف للمواطنين من لدن السلطة، سواء كان ذلك في ليبيا أو سوريا أو اليمن، يتطلب أيضًا إدانة قاطعة من لدن الاتحاد الأوروبي الموحد بشكل سيئ، والذي بدأ للتو يفتح عينيه على فظاعات وتعسف زعماء ظل حتى الأمس القريب يدعمهم حفاظا على مصالح اقتصادية، بل أكثر من ذلك، كان يبيع لهم الأسلحة، بما في ذلك القنابل العنقودية. ومن أجل التشبث بالحكم والحفاظ على الامتيازات وإخضاع الشعوب، نسمع، هنا وهناك، أن الدكتاتوريين مستعدون لكل الاحتمالات، بما في ذلك التضحية بالشعب نفسه. إن الديكتاتوريين العرب وغير العرب (يجدر بنا أن نتذكر مثال نيكولاي كويسيسكو ورفاقه) يحبون السلطة ويتعلقون بها إلى درجة أنهم لا يتزحزحون عنها قيد أنملة، مهما كانت العواقب، حتى لو كان الثمن هو الموت، سواء كان موتهم هم، أو موت عدد، في الواقع، غير مهم بالنسبة إليهم، من رعاياهم «المحبوبين».