بعد مرور سنتين على وفاته يوم 4 يوينو 2017، تعيد «أخبار اليوم» خلال هذا الصيف نشر، في حلقات، مجموعة من المقالات التي سبق ونشرها الكاتب الإسباني العالمي خوان غويتيسولو (ازداد سنة 1931) ، في صحيفة «إلباييس» منذ سنة 2000 حول المغرب، بشكل خاص، والمغرب الكبير والعالم العالم، عامة. خلافا لما فعله الأسد الأب، الذي سحق بالحديد والنار ثورة حماة سنة 1982 دون أن تنتشر أنباء تلك المذبحة، بسبب الرقابة الشديدة على وسائل الإعلام؛ تنقل الهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي، على مدار اليوم، التدمير الرهيب لمدن درعة وحماة وحمص ودير الزور واللاذقية وكل المنطقة الحضرية لإدلب من لدن قوات بشار الأسد وحلفائه. من يصدق بلاغات وكالة الأنباء الرسمية السورية عندما تتحدث عن «خارجين عن القانون وقطاع طرق يضعون المتاريس ويزرعون الرعب في قلوب المواطنين»؟ فالصور التي تصل عبر موقعي التواصل الاجتماعي الفايسبوك وتويتر إلى القناة القطرية الجزيرة، تظهر الآلاف والآلاف من المواطنين يرددون بسلمية شعارات شبيهة بتلك التي يرفعها ويرددها أشقاؤهم من المحيط إلى الخليج. هل أصبحوا خارجين عن القانون وقطاع طرق، لمجرد أنهم طالبوا برحيل الدكتاتور؟ إن أنصار بشار يطلقون النار الكثيف في جميع الاتجاهات على المواطنين العزل، ويحبسون المئات من الموقوفين في ملعب اللاذقية سيرا على منوال بينوشيه، ولا يترددون في الهجوم على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المساكين، فهل هؤلاء (اللاجئون) متآمرون ومرتزقة أجانب آتوا لإزعاج بقية الناس المسالمين؟ أتذكر أنه عندما كان يبدو أن انهيار الاتحاد السوفيتي يفسح المجال لنهاية شبيهة بما وقع للنظام الكوبي الذي كان يتزعمه فيديل كاسترو، أدلى القائد الأعلى بخطاب نومانسي بطولي تقشعر له الأبدان (نسبة إلى النومانسيين الذين رغم قلتهم استطاعوا أن يهزموا جيش روما المكون من 30 ألف رجل)، حيث قال: «أفضل أن أرى الجزيرة تغرق بمن عليها في البحر بدل التخلي عن فتوحات الثورة». وإذا تركنا جانبا المحتوى الحقيقي لتلك الفتوحات التي نرى تداعياتها اليوم، هل هناك دليل على حب الشعب أكثر من القضاء عليه، لأنه طالب بتحسين أحواله الاجتماعية؟ لكن بشار لا يتحدث حتى عن هذا، بل عن الحفاظ عن سلام استثنائي: سلام القبور. رغم الأبواب الموصدة والحدود المغلقة بإحكام أمام الصحافة الدولية، تابع ملايين المشاهدين مباشرة تدمير حماة وقتل مواطنيها الأبرياء، والمجزرة التي أعقبت الاحتجاجات التي انفجرت إثر القتل البشع بدرعة لطفل يبلغ من العمر 13 ربيعا، لا لشيء إلا لأنه تجرأ على خط رسم ضد الطاغية بشار. لم يعد هناك مجال لخداع أي كان بالابتسامات ووعود التغيير الديمقراطي التي يطلقها بشار الأسد، والتي كان يرددها أتباعه الأوفياء الدائمون، وصور التلفزيون الرسمي التي تبث الأجواء العادية السائدة في كل ربوع سوريا، فيما يستمر شقيق الأسد، رئيس الحرس الرئاسي والفرقة المدرعة الرابعة، في إتمام أشغال التطهير الطائفي. السجون مليئة عن آخرها بالمعتقلين، والشباب يتعرضون للتعذيب الوحشي في مراكز الشرط والمعتقلات، والصور الحربية المنقولة يوميا تذكرني، أكثر فأكثر، بما عاينته في سراييفو. والأسد يردد شعارا يردده كل الطغاة الذين عرفتهم البشرية: «لا تصدق ما تراه عيناك؛ صدق ما نقوله لك نحن».