ما الذي حققته الحركات الإسلامية في مصر بعد الربيع العربي؟ لا شك أن ثورات الربيع العربي كانت سببا رئيسا في صعود تنظيمات الإسلام السياسي إلى قمة المشهد السياسي،في عدد من دول المنطقة العربية، وفي مقدمة ذلك مصر. لكن وفقا لما تم على أرض الواقع، فقد أظهرت التجربةوالممارسة الحقيقية لتلك التنظيمات، لاسيما جماعة الإخوان، فشلها الذريع في تقديم أو امتلاك أي رؤية أو مشاريعحقيقية على أرض الواقع تخدم الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، ومن ثم السياسية. وبالتالي، فالمواطن العربي يجدفي تنظيمات الإسلام السياسي مجرد شعارات فارغة المحتوى والمضمون، وهذا ما أدى إلى سقوطها سريعا فيخضم التجربة العملية والمشاركة السياسية. في هذا السياق، عمل الإخوان وغيرهم على احتكار الوضع السياسيوإقصاء كل القوى المعارضة والمختلفين معهم في التوجهات، ومهدوا لنوع من الديكتاتورية المقننة والمغلفة بالدين،كحماية لكل قراراتهم وخطواتهم التي كانوا يتخذونها، وهو نوع من التدليس على المواطن، كما أنهم قدموا أنفسهمكحراس للعقيدة والشريعة، وأنهم يحكمون باسم الدين في أرضه وبين خلقه. إلى أي مدى تمكنت الجماعات الإسلامية في مصر، أو كما تسمونهم «إخوان مصر»، من تطبيق مشاريعهمالسياسية قبيل الإطاحة بهم؟ إخوان مصر فشلوا فشلا ذريعا، خصوصا وأنهم لم يكونوا يتوفرون على مشروع حقيقي يطرح رؤية سياسية أواقتصادية، بل كان هدفهم التغلغل في مفاصل الدولة المصرية والسيطرة على دواليبها، وذلك بالتحكم في توجهاتها،سعيا إلى تطويعها بما يخدم أهداف التنظيم الدولي، الذي يضع في حساباته تطبيق فكرة “أستاذية العالم“، التيطرحها حسن البنا في مشروعه للسيطرة على العالم. كان الهدف الحقيقي لإخوان مصر، حين وصولهم إلى السلطة، تكوين أكبر قدر من الشركات الاقتصادية العابرةللقارات، التي تمكن الجماعة من التحكم في الوضع الاقتصادي المصري، إضافة إلى محاولة تفكيك المؤسساتالأمنية، وإعادة تكوينها، بما يتلاءم مع مشروع الجماعة، واختراقها بعناصر إخوانية تدين بالولاء للمرشد والتنظيم،بعيدا عن مفاهيم ومصطلحات الدولة الوطنية، التي تمثل عائقا أمام مشروع الإخوان في مصر، وفي المنطقة العربيةككل. يُعاب على الحركة الإسلامية في مصر منذ خمسينيات القرن الماضي حالة الجمود وعدم تجديد الخطاب السياسي،هل يعد هذا واحدا من أسباب فشلها؟ جماعة الإخوان في مصر لديها الكثير من التحفظات الفكرية التي لم تستطع التخلص منها، كما أنها عجزت عنالتخلص من العمل السري في ظل إتاحة فرصة تصدرها لرأس السلطة في مصر، فتعاملت مع الدولة المصرية علىأنها شُعبة من شُعب الجماعة، كما أنها مازالت تحتفظ بفكرة الخطاب السياسي والإعلامي المزدوج، بمعني أن لهاخطابين، أحدهما معلن موجه للرأي العام والنظام السياسي وله افتراضات محددة، في الوقت عينه، توجه خطابا آخرسريا وغير معلن للقواعد التنظيمية، يحتوى مضمونه على أفكار “الجاهلية” و“الحاكمية“، والتنظير المتشدد فيبعض القضايا، الأمر الذي جعلهم في حالة من المراوغة والتخبط السياسي. يرجع المراقبون فشل الحركة الإسلامية في مصر لانغلاقها والرغبة في السيطرة، على عكس إخوان تونس والمغربممن نجحوا في المشاركة في إدارة هذه البلدان سياسيا. ما رأيك في هذا الاستنتاج؟ هناك عوامل عدة جعلت من جماعة الإخوان في مصر أكثر تطرفا وجمودا، على عكس فروعها في بعض الدول مثلالمغرب وتونس، ويأتي في مقدمة هذه الأسباب أن إخوان مصر أكثر ميلا للحركة الوهابية، وأكثر عرضة للتأثر بتياراتالسلفية التي تحمل أفكارا أكثر تطرفا وتشددا في الكثير من القضايا الفقهية والفكرية، لاسيما المعنية بالجوانبالسياسية والقضايا المجتمعية. ثم إن إخوان مصر، على مدار السنوات، عانوا من اختراق التيار السلفي لصفوفالتنظيم، وهي الظاهرة التي ترجمت تحت عنوان: “تسلف الإخوان“، وفق ما طرحة الباحث الراحل حسام تمام، كماأن الإدارة الحاكمة والفعلية داخل الإخوان منذ السبعينيات، هي إدارة قُطبِية، وغالبيتها انتمى إلى تنظيم سيد قطب،الذي يطلق عليه “تنظيم 65″، وهو تيار منغلق ومتشدد من الناحية الفكرية، ويتخذ من أدبيات سيد قطب السندوالمرجعية له في كل توجهاته، لاسيما فيما يخص قضية “جاهلية المجتمع” التي يطلق عليها “جاهلية القرنالعشرين“، أو فيما يخص قضية “الحاكمية“، التي ترفض في مجملها القوانين الوضعية والكيانات البرلمانيةوالتشريعية أي الدولة الوطنية، باعتبارها تحكم بما يخالف شرع الله. ثم إن دخول الكثير من إخوان مصر البرلمان، كان بهدف تغيير القوانين واستبدالها بنصوص صريحة من الشريعةالإسلامية، وفقا لما يتلاءم مع أفكارهم، وقد جهز الإخوان فعليا دستورا شرعيا تحت مسمى “دستور الشريعة“، وتمعرضه على البرلمان خلال حكم نظام الرئيس حسني مبارك. وعند وصولهم إلى السلطة تم تأجيل الفكرة، حتى لايدخلوا في صدام مباشر مع المجتمع، لكنهم أقروا فكرة التدرج في التنفيذ. بينما في المغرب والأردن والكويت، فإنالأحزاب الإسلامية حققت بعض النجاحات في عملية التوافق والتعايش مع الأنظمة السياسية الحاكمة لعدة أسباب،من بينها أنها لم تقترب فعليا من التيار القطبي داخل الإخوان، ولم تتشبع بأدبياته ولا بتوجهاته، كما أنها متأثرة فعليابالثقافة الغربية والأوروبية، ما جعلها أكثر انفتاحا في التفاوض والتعايش مع المجتمع والنظام السياسي القائم. هل هناك إمكانية أخرى لعودة إخوان مصر وجمع شتاتهم مستقبلا؟ إخوان مصر يمرون حاليا بحالة من التفكك التنظيمي، في ظل انشطار وتشظي الجماعة إلى جماعتين، إحداهماتمثل الجبهة التاريخية، ويقودها نائب المرشد محمود عزت، وأخرى تابعة لجيل الشباب تحت مسمى “المكتب العام“،ويعتبر محمد كمال، مؤسس الجناح المسلح عقب ثورة 30 يونيو 2013، أحد مؤسسيها وقال في بيان، له حينئذ، إنه“يهدف إلى منح شباب الجماعة الفرصة لقيادتها“. كما أن الجماعة تعيش نوعا من الانشقاق والتمرد من قبل القواعد التنظيمية التي كفرت بالقيادات واعتبرتها السببالحقيقي فيما آلت إليه الأوضاع حاليا، ما يعني أن الفكرة الإخوانية التي قام عليها مشروع حسن البنا، تعرضتللاهتزاز والسقوط، ومن ثم غالبية المؤشرات تشير إلى تفكك التنظيم حاليا، في ظل المضايقات الأمنية التي تفرضهاالحكومة المصرية، وسعيها نحو القضاء على روافد التنظيم الدوائر المحيطة بها بشكل كامل. إذا تحدثنا عن الفشل السريع للحركات الإسلامية أثناء الربيع العربي بشكل عام، ما هي في نظرك أسبابهوتداعياته؟ السبب الرئيس لفشل الإسلاميين بشكل عام، عقب ثورات الربيع العربي، هو أنهم تملكتهم حالة من السعار والرغبةالمتوحشة في السيطرة على دول المنطقة العربية بعد إزاحة الأنظمة الحاكمة حينها وسقوطها، تحت شعارات دينيةوتوظيف الدين لخدمة مشاريعهم السياسية التي أثبتت فشلها عمليا، كما أن تيارات الإسلام السياسي لا تحمل أيرؤية لمشاريع إعادة هيكلة النظام الاقتصادي القائم أو تطويرها بما يؤثر إيجابيا على التحديات الاجتماعية في تلكالبلدان. لقد عجز الإسلام السياسي عن طرح حلول لتفاقم معضلة الفقر وارتفاع معدلات البطالة وتآكل النظمالتعليمية، كما زادت محاولة هيمنته وفرض سطوته الفكرية المتشددة، من الرفض المجتمعي لمشاريعه الوهمية، مايعني أن التجربة العملية وضعته وجها لوجه أمام المواطن العربي، فانكشفت سوءاته، ولم يقدم شيئا سوى تحقيقمصالحه الخاصة، على أكثر من صعيد.