مع قرب موعد الدخول السياسي، يسود ترقب بشأن تعيين اللجنة الملكية المكلفة بصياغة النموذج التنموي الجديدالذي سيحدد توجهات البلاد خلال السنوات المقبلة. هناك العديد من التساؤلات تطرح وسط النخب السياسية حولالشخصية التي ستُكلف برئاسة اللجنة، ومن هم الأعضاء، وما هو الأجل الذي سيمنح للجنة لإنهاء عملها، وعلاقةمخرجاتها ببرنامج عمل الحكومتين الحالية والمقبلة. الخطاب الملكي في 20 غشت الماضي، وقبله في عيد العرش في 29 يوليوز، حدد للجنة خريطة الطريق، فهي لجنةاستشارية ذات طابع وطني، وهي ليست بديلا عن الحكومة، وسيكون عليها نهج مقاربة تشاركية بتلقي المقترحاتوعقد لقاءات للتشاور، قبل إعداد تقرير نهائي. أي أنها لجنة شبيهة بلجنة إعداد الدستور التي شُكلت في 2011. ولاشك أن اللجنة المرتقبة ستجد أمامها رصيدا مهما من المقترحات؛ فمنذ الدعوة الملكية إلى مراجعة النموذج التنمويفي 2016، نظمت وزارة المالية، في الحكومة السابقة، ندوة دولية حول النموذج التنموي في الصخيرات، كما نظمتعدة لقاءات أخرى اقتصادية حول النموذج، وأعدت رئاسة الحكومة والأحزاب تصوراتها وأرسلتها إلى الديوانالملكي، وبالتالي، فإن اللجنة بمجرد تعيينها ستتلقى وثائق ومقترحات جاهزة، وربما ستحتاج إلى بضعة أشهر قبلإنهاء عملها. كما أن الخطاب الملكي حدد توجهاتها، لأنه ليس مطلوبا منها أن تعد نموذجا اقتصاديا صرفا، يعتمد على مؤشراتوأرقام فقط، إنما هدفها هو وضع تصور من شأن تطبيقه أن يحسن ظروف عيش المواطنين عموما، خاصة الطبقةالوسطى، ويحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، عبر النهوض بالعالم القروي وبهوامش المدن، حيث يسود التهميش. وهذا يعني أن عمل اللجنة سينصب على إعداد تصور للنهوض الاقتصادي، لكن بتوجهات اجتماعية. ومن أمثلةالتوجهات التي سيكون على اللجنة التركيز عليها، كما حددها الخطاب الملكي، الاهتمام بخلق الأنشطة المدرة للدخلوالتشغيل وولوج الخدمات الاجتماعية الأساسية، ودعم التمدرس، ومحاربة الفقر والهشاشة، وتعميم التعليم والتكوينالمهني، ودعم البرامج الاجتماعية. وفي مجال التشغيل، هناك رهان على دور القطاع الخاص، ودعم الاستثمار فيالسياحة القروية والتجارة والتشغيل الذاتي وغيرها. أما بخصوص الطبقة الوسطى، التي وصفها الخطاب الملكيبأساس بنيان البيت، فسيكون على اللجنة وضع تصور لتقويتها وفتح آفاق لترقيتها. سنكون، إذن، أمام تصور اقتصادي واجتماعي جديد وتحديد أولويات جديدة. أي سيتطلب الأمر تعديلا في البرنامجالحكومي خلال السنتين المقبلتين، قبل انتخابات 2021، علما أن البرنامج الاجتماعي للحكومة الحالية يتضمنالتوجهات الجديدة لمبادرة التنمية البشرية وبرامج صندوق التنمية القروية، وخطة الاستهداف الاجتماعي التيتستعد الحكومة للشروع في تطبيقها. لكن الملك في خطاب 20 غشت أكد أن المرحلة الجديدة تتطلب تعديلا حكوميابحثا عن الكفاءة. فإذا كانت الأولويات في السنوات العشرين الماضية انصبت على قطاعات التجهيز والبنية التحتية،فإن الحاجة اليوم ملحة إلى التركيز على القطاعات الاجتماعية التي تعرف خصاصا مهولا في صحة وتعليم وتشغيلالشباب. كل المؤشرات تشير إلى أن التعديل المرتقب سيكون موسعا، وسيشمل مراجعة هيكلة الحكومة، وإعادة توزيعالحقائب، وإدخال شخصيات جديدة من التقنوقراط، لكن ذلك لن يكون سهلا، خاصة إذا لم تؤخذ نتائج انتخابات2016 بعين الاعتبار.