أصدر المفكر المغربي امحمد جبرون كتابا: «في هدي القرآن». دخل الكتاب إلى المغرب، شهر فبراير 2019، أيامالمعرض الدولي للكتاب. تم تنظيم ثلاث ندوات لقراءته: ندوة في بروكسيل؛ ندوة في طنجة، وندوة في العرائش. وقُوبلالكتابُ بمقالات نقدية قاسية: «امحمد جبرون وعلم أصول الفقه.. تجديد أم تبديد» لمحمد عوام؛ «امحمد جبرونالسقوط المنهجي والأخلاقي» لأحمد كافي؛ «الاجتهاد المظلوم، والتجديد المفترى عليه» لعبدالله الجباري. يلاحظ أن التفاعل المعرفي مع الكتاب، غلبت عليه مناقشة دعوى تأسيس «أصول فقه جديدة». وخلص النقاد، أنجبرون غير مؤهل للحديث في هذا العلم، لأنه متخصص في التاريخ. أعتقد أن الكتاب لو نوقش من قبل المتخصصينفي أصول الفقه، سيعتبرونه: «نكتة غير مضحكة». لكن، لو تم وضع المؤلف في سياق انتمائه إلى الفكرةالإصلاحية، ومحاولاتها لتجديد العلاقة بالشريعة الإسلامية، حسب المستجدات الكبرى، سيحكم على الكتاب بحكممغاير. إذا كان جبرون أعلن استقالته من التنظيم الحزبي، فإنه لم يبتعد من «الفكرة الإصلاحية»، ومحاولتها التأصيلوالتجديد لمشروعها من الشريعة. إن المقصود بمفكري البيجيدي، القادة المؤسسون لحركة التجديد والإصلاح، ورابطةالمستقبل الإسلامي، كيف استطاعوا الانتقال من وضعيات إلى وضعيات أخرى، عبر مراجعات فكرية، استندت إلىالعلوم الإسلامية. وقد مرّ هؤلاء بالمراحل الآتية: المرحلة الأولى: مرحلة التلقي، للأدبيات الفكرية، للسلفية المغربية؛ وأخلاقيات الدعوة والتبليغ؛ والإفادة من تراثالإخوان: حسن البنا، سيد قطب، محمد قطب، وأبو الأعلى المودودي. المرحلة الثانية: مرحلة النقد الذاتي، حيث تحولت كتابات مالك بن نبي، إلى مصدر أساسي، للوعي بمشكلاتالحضارة، ثم كتابات المفكريْن السوريين: خالص جلبي، وجودت سعيد، ثم إنتاجات النقد الذاتي، التي احتضنتهامجلة الأمة القطرية. المرحلة الثالثة: التأصيل والمغربة، حيث انشغل قادة المشروع، بإشكالاتهم الحركية المغربية. صدرت «نظرية المقاصدعند الشاطبي» للريسوني، ثم كتابه – وهو أطروحة دكتوراه – التأصيلي: «نظرية التقريب والتغليب»؛ وأسهمالعثماني بكتيبات تجيب عن إشكالات المرحلة السياسية، فأصدر: الفقه الدعوي؛ والمشاركة السياسية في فقه ابنتيمية، ثم بعد ذلك، أصدر: «تصرفات النبي بالإمامة»؛ وشارك يتيم في الإجابة عن إشكال تضخم السياسي،بكتاب: «العمل السياسي والاختيار الحضاري». ولم يكتف بنكيران بالخطابة، بل أصدر هو أيضا: «الحركةالإسلامية وإشكالية المنهج»؛ ولم يختر باها الصمت، بل كتب: «سبيل الإصلاح» للتأصيل لمجموعة من المفاهيمالحركية. المرحلة الرابعة: مرحلة المشاركة في المؤسسات. عرفت انهماك المؤسسين في مسؤوليات حزبية ووزارية،أصبحوا متفرغين لتدبير المشاكل اليومية. لكن ظهر اسم جديد، يجيب عن إشكالات تنظيمية داخلية، وهو المهندسمحمد الحمداوي، أصدر كتاب: «الرسالية في العمل الإسلامي: استيعاب ومدافعة». عبر هذا المسار، أدركت حركةالتوحيد والإصلاح، أن الحركية الفكرية توشك على الانطفاء، لأن القادة انشغلوا بالمهمات السياسية والتنظيمية،ولازالت هناك قضايا تحتاج لنقاش فكري، ينتج عنها، إصدارات تناقش إشكالات مرحلة: «الإصلاح من داخلالمؤسسات». بادرت الحركة، ونظمت: «مبادرة السؤال» جُمعت في كتاب: «مبادرة السؤال من أجل حركة فكرية» من إعداد فيصل الأمين البقالي. واكب جبرون هذا المسار، ورأى أن الإسلاميين في المرحلة الحالية، حين تواجه قادته – وهم في السلطة– الإشكالاتالمتعلقة بالشريعة، يجدون أنفسهم في مأزق. لا يمكن أن يخالفوا الشريعة، ولا يمكن أن يفرطوا في السلطة، فيجدواأنفسهم وسط صراع بين الأصالة والتحديث. وليس لديهم إنتاجات فكرية، تشتبك مع هذه الإشكالات، من مثل: المساواة في الإرث، الحريات الفردية.. إذا كان لهؤلاء القادة الشجاعة، للتأصيل لوسائل التحديث في المجال السياسي زمن المعارضة خارج المؤسسات،فنجحوا في حل المشكلة؛ فإنهم توقفوا عن التأصيل لقيم التحديث في المجال السياسي زمن السلطة، فوجدوا أنفسهمفي مأزق. هذا العمل التأصيلي، تصدر له جبرون في كتابه، ليقوم بتسوية مصالحة بين قيم الأصالة وقيم التحديثداخل الإسلاميين. ولهذا، فجبرون، من مفكري العدالة والتنمية الغرباء، يحظى بالإنكار، لكل ما يقوله، وهذا الذيكان في الجدل حول: «مفهوم التحكم». هاجم يتيم جبرون بقسوة، لكن يتيم بين عشية وضحاها، انتقل من صفبنكيران إلى صف العثماني دون أن يتذكر ما كتبه في مقاله ردا على جبرون: «العمل السياسي، يقاس بالثبات علىالقيم، ولو ترتبت عليها ابتلاءات. من الخطير الانتقال من النقيض إلى النقيض». وكان لسان حال جبرون: تنكرونتحليلاتي، وتمارسونها في الواقع. جبرون، ليس عالما من علماء أصول الفقه، بل هو ابن بار للإصلاحية العربية والإسلامية، يريد أن يواصل تأصيلهوتجديده، لا من موقع الأكاديمي المتخصص المنعزل عن واقعه، بل من موقع المثقف المهموم بإشكالات بلده وأمته، التيتنتظر حلا عاجلا، لأن التأخر مكلف جدا.