لقد سبق رئيس الحكومة الجميع ودعا إلى المحاسبة في فاجعة ملعب تزيرت بتارودانت، حين قال، خلال افتتاح المجلس الحكومي، إن الجهات المعنية باشرت التحقيقات الضرورية لتسليط الضوء على ملابسات الحادث، ولتحديد المسؤوليات. طبعا العثماني يعرف القاعدة الثابتة والمؤكدة عندنا: «إذا أردت قتل موضوع، شكل له لجنة»، خصوصا لجان البحث والتقصي في قضايا مماثلة، والتي غالبا ما تقدم موظفين صغارا للمقصلة. لذلك، فإننا نعزي رئيس الحكومة، مسبقا، في الحقيقة التي يعتقد أن اللجنة المكلفة بمباشرة التحقيق ستصل إليها، ونقول له إنها ولدت ميتة، فلا أراك لله مكروها في حقائق أخرى. كان يمكن أن نعزي رئيس الحكومة في الضحايا، لأنه وصل إلى منصب رئاسة الحكومة عن طريق الاختيار الشعبي، لكننا لن نفعل ذلك احتراما لأرواح الشهداء الذين لم يكلف نفسه، أو أي أحد من أعضاء حكومته، عناء المشاركة في تشييعهم إلى مثواهم الأخير، كما يفعل ويفعلون مع… لو كان العثماني رئيسا فعليا للوزراء، مثل نظيره الجزائري، حتى لا نطلب منه أن يكون مثل رؤساء حكومات الدول الديمقراطية، لالتمس من الملك إقالة عامل تارودانت، المسؤول الترابي عن التجاوزات التي اعترت بناء ملعب الموت، طالما أن العثماني هو من اقترح العامل بمبادرة من وزير الداخلية الذي اقترحه بدوره –دستوريا على الأقل- ويحق له طلب إعفائه (هذا هو التأويل الديمقراطي للفصل 49 من الدستور)، وعندنا سابقة عزل عامل سيدي بنور في مارس 2012، من لدن الملك، بعدما اشتكى إليه رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، تصريحات مهينة صدرت عنه في حق وزير الدولة آنئذ، المرحوم عبد لله بها، حيث روي عن العامل أنه أطلق لسانه، في لقاء إعدادي لزيارة ملكية للمنطقة، وقال للحاضرين «إنه كان متجها إلى جماعة الوليدية، فصادف وجود 17 كلبا يتقدمها كلبان بلحية، أحدهما يشبه وزير الدولة (عبد لله بها)، متبوعة بكلبتين كأنهما زوجتا وزير الدولة». أم إن ضحايا تارودانت ليسوا وزراء ولا ينتمون إلى العدالة والتنمية؟ سوف يكون بإمكان العثماني التقدم باقتراح إقالة العمال والولاة، عندما سيكون بمقدوره ممارسة حقه كاملا في اقتراحهم، لأن هذا الحق الدستوري لم يستطع حتى عبد الإله بنكيران الحفاظ عليه، حيث لم يعد، في نهاية ولايته الحكومية، يتوصل بلائحة الولاة والعمال إلا ساعات قبل تعيينهم من لدن الملك. لو كان العثماني رئيس حقيقيا للوزراء، لطلب، أيضا، من الملك إعفاء وزير الشباب والرياضة، رشيد الطالبي العلمي، بمقتضى الصلاحيات التي يخوله إياها الفصل 47 من الدستور، كما حدث قبل أيام في الجارة الجزائر، بعد سقوط خمسة قتلى في حفل غنائي لنجم الراي والريغي الجزائري سولكينغ، حيث استقالت وزيرة الثقافة الجزائرية، مريم مرداسي، تلقائيا، قبل أن يقيل الرئيس المؤقت، عبد القادر بنصالح، المدير العام للأمن الوطني، عبد القادر بوهدبة، وكذا سامي بن الشيخ الحسين، المدير العام للمكتب الوطني لحقوق النشر، الهيئة التي نظمت الحفل. لكن، كيف يفعل العثماني ذلك، ووزير الشباب والرياضة لا يفوت أية مناسبة للتشنيع به، والقول إن العثماني يشكك في المؤسسات الدستورية، وإن حزبه يسعى إلى تخريب البلاد ووضع اليد عليها، ويتلقى الأموال من الخارج… وحتى لا نتعامل مع رئيس الحكومة بمنطق «طاحت الصومعة علقو الحجام»، يجب أن نعترف بأن آليات المحاسبة عندنا لا تنفع ولا تضر مثل «حليب الحمارة»، حسب اعتقاد أجدادنا، ولا أدل على ذلك من تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية، والتي لا يترتب على أغلبها أي جزاء. وبالعودة إلى فاجعة تارودانت، فإن القانون المتعلق بالماء يبقى واضحا في منع تشييد البنايات في النقط المهددة بالفيضانات: «يمنع في الأراضي التي يمكن أن تغمرها المياه إقامة حواجز أو بنايات أو تجهيزات أخرى من شأنها أن تعرقل سيلان مياه الفيضانات دون ترخيص، إلا إذا كان الغرض منها حماية المساكن والممتلكات الخاصة المتاخمة». فمن سنحاسب، يا رئيس الحكومة، في هذه الفاجعة، هل رئيس المجلس الجماعي الذي يقع ملعب الموت ضمن جماعته، والذي كان عليه أن يستقيل مباشرة من منصبه أو يجرده حزبه من عضويته، أم سلطات الوصاية، أم وكالة الحوض المائي، أم وزارة الشباب والرياضة، أم الجمعية التي شيدت الملعب، والتي فرخت السلطات عشرات الآلاف من أمثالها في القرى والهوامش، مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لتعوض الأحزاب الإدارية، بعدما أصبح مسموحا لأحزاب الحركة الوطنية، بعد 1997، بدخول الهوامش والقرى، فتشابه البقر؟ الحقيقة أن هؤلاء كلهم مسؤولون عن هذه الفاجعة الكبيرة، وغيرها من فواجع خرق القانون أو غض الطرف عن خرقه، والتي لا نقدر خطرها إلا بعد أن تقع الفأس في الرأس. وإلى أن يُفعَّل المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، نتمنى أن تكون آخر فواجع المغاربة هي فقدان مثل حكومتكم.