من داخل سقف القانون الإطار لم يلتفت البعض إلى التوتر الذي يجري منذ نهاية شهر غشت الماضي، بين وزارة التربية الوطنية وبين رئاسة الحكومة على مستوى تدبير تنزيل القانون الإطار، وبشكل خاص ما يتعلق ب»الفرنسة»، فقد استفزت رئيس الحكومة، مذكرتان منشورتان في وسائل الإعلام، موقعتان من مديرين إقليميين يطلبان من مديري المؤسسات التعليمية التنزيل السريع لمقتضيات فرنسة تدريس المواد العلمية. رئيس الحكومة، حذر في كلمة بالمجلس الحكومي من اعتماد خطوات انفرادية في هذا السياق، وأن تنزيل القانون الإطار، يتطلب احترام الآلية الإجرائية، وما تتطلبه من انتظار مراسيم تطبيقية تبين شكل التنزيل التدريجي للفرنسة. المعطيات تفيد بطلب رئاسة الحكومة من وزير التربية الوطنية إصدار مذكرة، تدعو مديري المؤسسات التعليمية إلى ضرورة احترام هذه الآلية الإجرائية، لكنه لم يبد إلى اليوم، أي تجاوب، وأن ما حصل هو تغيير التكتيك، لجهة استبدال المذكرات الكتابية بالأمر الشفوي الموجه لمديري المؤسسات بضرورة الشروع الفوري في تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية. لا نريد التوقف على الجدل الذي يسجن نفسه بسقف القانون الإطار، وهل سيتم احترام ضوابط التنزيل أم لا، فهذا النقاش، في أقصى حدوده، سينتهي إلى إعادة طرح المشكل المؤسساتي، وما إذا كان وزير التربية الوطنية يلتزم بقرارات رئيس الحكومة، أم هو ينفذ مهمة جهات أخرى، وربما يربط مصيره في الحكومة بالفورية في تحقيق أعلى مستوياتها. ما نريده هو أن نبين الفرق في الوضع الذي كان قبل إقرار القانون الإطار والوضع الذي جاء بعده، وهل ثمة خيارات للمقاومة من داخل سقف القانون الإطار، أم أن أوراق الاعتماد كلها تبخرت لحظة تمرير القانون وتورط القوى الإصلاحية في ذلك. قبل القانون الإطار، ومع كل جهود الفرنسة التي انخرط فيها رشيد بلمختار، وحصاد الذي عممها حتى على الأسلاك الابتدائية، بقيت هذه الخطوة فاقدة للشرعية القانونية، ومنبهة على التناقض مع الوضع الدستوري، ومفجرة للإشكال المؤسساتي، فالطريقة التي واجه بها عبدالإله بنكيران وزير التربية الوطنية رشيد بلمختار في البرلمان، بعد الرسالة التنبيهية التي وجهها إليه، بضرورة توقيف مسار الفرنسة الذي يتم خارج أي تأطير قانوني، أثارت أسئلة كثيرة عن الوضع المؤسساتي، وجعلته يدخل منطقة الحرج، ونبهت إلى أن جهود اللوبي الفرنفكوني لفرنسة التعليم، هي أشبه ما تكون بعملية اغتصاب غير شرعي، يمس بالمؤسسات، وأن القصد أن يسير المغرب في خيارات قسرية بعيدا عن مؤسساته. لكن، بعد إقرار القانون الإطار، فقد تم التهيئة الطوعية للزر الذي يرفع الحرج القانوني والسياسي عن الفرنسة، بحيث صار وضع هذا اللوبي مريحا، إذ لا توجد أي حجة يمكن أن يدفع بها للاحتجاج على محاولته اختطاف مستقبل المغرب عبر تعطيل مؤسساته ووضعه الدستوري، وتنفيذ خيارات قسرية. المشكلة الوحيدة التي تثير بعض الحرج هي التوقيت، ينتظر ست سنوات، للتنزيل الكلي للمشروع، أم ينزل بكل ثقله للتنفيذ؟ ينتظر المراسيم التطبيقية، أم يخلق واقعا على الأرض، يسبق هذه المراسيم؟ اللوبيات التي نجحت في أن تنقل خياراتها القسرية، التي طالما حاولت فرضها خارج المؤسسات، إلى واقع سياسي وقانوني، تعلم أن شروط السياسة تتغير وتعاند، لاسيما إن ظهرت حركة المقاومة بمستوى شعبي واسع، فلذلك، فهي لن تنتظر رئيس الحكومة، ولن تكترث بصدور تحذيرات من مخاطر عدم احترام الآجال، وعدم مراعاة الآلية الإجرائية، وأن ذلك قد يؤدي إلى انهيار المنظومة التربوية. لوبيات الفرنسة، ترى الزر السياسي والقانوني أمامها، وهي التي فشلت أن تكسب هذه المعركة لأكثر من ستة عقود تقريبا، ولذلك، فهي لن تنتظر، ولم تكترث بتوجيه رئيس الحكومة ولا حتى بالآثار البيداغوجية التي يمكن أن تنجم عن التسريع في الفرنسة، لأنها تدرك أن أدوات المقاومة التي تتم بسقف القانون الإطار محدودة، وأن الدعم القوي الذي تلقاه يسمح لها بالمضي دون هوادة. مشكلة الذين ساهموا في تمرير فرنسة التعليم، أن إمكانات مقاومتهم لإيقاف للتقليص من غلواء هذا الخطرمن داخل سقف القانون أضحت لا قيمة لها، وأن أخطر جريمة ارتكبت ضد المدرسة المغربية هي تمكين اللوبي الفرنكفوني من سند قانوني وسياسي للمضي بالفرنسة إلى أبعد مدى دون احترام أي ضابط قانوني أو تقدير بيداغوجي، بالإضافة إلى أن نتيجة الفشل المتوقع، لن يتحمله هذا اللوبي، وإنما سيحمل وزره الذين تنكروا لمقتضيات من اختياراتهم المذهبية.