كما كان متوقعا خرج التقدم والاشتراكية من الحكومة، منهيا بذلك مسارا من التكتيكيات امتدت لأكثر من سنتين بهدف تفكيك التحالف الاستراتيجي الذي بناه (بنكيران/بنعبدالله) عشية خروج المغرب الاستثنائي من الربيع الديمقراطي. البعض يعتقد أن هذا المسار ابتدأ بعد إعفاء بنكيران، لكن المعطيات التفصيلية تؤكد أن محاولات كثيرة بذلت لتفكيك التحالف قبل ذلك، وتعزز ذلك بشكل مفصلي لحظة «البلوكاج»، إذ لم تتوقف عملية الإقناع بمخاطر الاصطفاف إلى جانب بنكيران، وبتضخم البعد "الهيمني» في شخصيته، وضرورة أن يقوم التقدم والاشتراكية بدوره في هذا الاتجاه، لكنه، رفض السقوط في هذه الأحبولة. ثمة اليوم، من سيجد نفسه أمام هذا الحدث الكبير في تاريخ السياسة في المغرب مورطا في تبرير موقف رفاق بنعبدالله، كما ولو كان القدر المحتوم الذي لا راد له أن يبقى الحليفان على قلب واحد مهما تغيرت شروط السياسة. فمن فرط هذا الوهم الجاثم على تصوره، بدأ البعض يتأسف من فقدان حليف أساسي في معركة الإصلاح الديمقراطي، والبعض الآخر، أغشته اللحظة السياسية، فراح يبحث عن حسابات الذات، بدلا عن فهم الشروط السياسية التي تحتف باللحظة الراهنة، والحلقات التي انتهى إليها مسار تفيك تحالف استراتيجي صنع بذكاء ورعاية سياسية واعية، فلم يجد في موقف التقدم والاشتراكية سوى تنفيس عن صراعات داخلية، أو، ربما، حبب إليه أن يندلع صراع داخل هذا الحزب حول قرار المكتب السياسي، فيما سيذهب طرف ثالث أخذته حمية الانتصار للذات إلى نقد الأساس الذي قام عليه التحالف، واستدعاء تهمة الفساد للتشكيك في صدقية التعاقد الذي بني عليه تحالف استراتيجي لمواجهة الاستبداد والفساد. ثلاث أطروحات واهية، ثمة ماكينة داخلية لإنتاجها، لمحاولة تغييب الشروط السياسية التي تحتف بعملية التعديل الحكومي، بل والتغطية على الموقف من شرعنة مسار التفكيك. سيُقال أن لا أحد أجبر التقدم والاشتراكية على الخروج من الحكومة، وأن الأسف كل الأسف، من حصول ذلك، وأن المرء لا يملك سوى احترام هذا الموقف، وأن رئيس الحكومة قام بدوره، وهاتف السيد نبيل بنعبدالله لثنيه عن قراره، وأنه هو الذي تحمل مسؤولية الخروج بالقول، لقد «فات الأوان». لكن، هذا النقاش، سيبقى ناقصا إن لم نقل مضللا، فثمة سياق كامل من أجندة التعديل الحكومي، لم تخرج معطياته بعد، وعلى الأقل، لا يمكن أن يمر تصريح للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي دون أن يتم الالتفات إلى رسائله، فالرجل قال في برنامج "لقاء الصحافة" على قناة "دوزيم"، أن "الحكومة الحالية ثقيلة عدديا وسياسيا"، وأنه "قد يقبل أن يمثل حزبه بوزير واحد". فالرجل، كان يبعث برسالة واضحة مفادها الضغط على رئيس الحكومة من أجل تقليص حجم التقدم والاشتراكية من أجل دفعه للخروج من الحكومة. بل لا يمكن أن نغفل اللقاءات التعبوية التي نظمها "الأحرار"، والتي كان أخنوش ينتقد فيها اختلالات وزارة الصحة، ويقدم الوعود الكبيرة حال ما أقدم حزبه على تدبير هذا القطاع، وهي رسائل سياسية واضحة، لم يكن لرئيس الحكومة أن يتركها تمر دون الإجابة عنها، ففي ظل تصريحات يستهدف منها دفع حليف حزبه للمغادرة كان يتطلب الأمر منه إنتاج خطاب مقابل للطمأنة، وفي ظل رسائل أخرى تنقض التضامن الحكومي، وتسمح لحزب داخل الحكومة بمواجهة حليفه بلغة المعارضة، كان على رئيس الحكومة، أن يتدخل لإيقاف هذه المضايقة، بدل مسايرتها وتركها تمر. لا نريد التسرع في إطلاق أي حكم، فثمة من سيسارع للقول بأن البراءة كل البراءة، كانت في جهة العدالة والتنمية، وأنه لم يتورط بأي شيء يمكن أن يحسب عليه. لكن، في السياسة، ليس شرطا أن يصدر منك ما يمكن أن يكون دافعا للآخر للخروج من تحالفه، بل يكفي أن تترك الأمور تمر دون مقاومتها، بل يكفي، أن تتركه يخرج، ثم تنتج الحجة بعدها لتبرر قيامك بما يكفي لثنيه عن الخروج، لينطلق بعد ذلك سيل من هنا وهناك باتهام هذا الحزب بالفساد، أو بعدم رضاه عن القسمة، أو بالتحرك من وحي الحسابات الذاتية وليس الوطنية. النتيجة اليوم واضحة، دون الاضطرار لبحث التفاصيل أو التفسيرات. تحالف استراتيجي قد فكك، لجهة عزل تام للعدالة والتنمية أمام كتلة رباعي، يقوده جناحان، الأول، يمثل التعبير عن التحكم في بعده الاقتصادي والإعلامي، والثاني، يمثل الواجهة السياسية التي تتم على ظهرها كل التكتيكات المساعدة للتحكم في بلوغ أهدافه.