نجحت جلسات المناظرة الوطنية للصناعات الثقافية، التي جرت فعالياتها بالرباط يومي الجمعة والسبت الماضيين، في استقطاب أكثر من خمسمائة فاعل جمعوي ومدني في المجال الثقافي والفني، لكنها لم تفلح في لفت اهتمام سوى قلة من المثقفين والفنانين المغاربة. وحتى أولئك الذين حضروا منهم الجلسة الافتتاحية سرعان ما انسحبوا، بعدما تبين لهم أن الأمر يتعلق بشيء آخر، غير الثقافة بمفهومها المعروف والمتداول. ومع توالي الكلمات وفقرات الجلسة الافتتاحية، تبين أن الأمر يتعلق أساسا بالأنشطة الفرجوية، مثل مهرجانات الموسيقى والسينما والفولكلور، إلخ. واتضحت الغاية من تنظيم هذه المناظرة من خلال شريط فيديو، من إعداد القناة الأولى، حصر أغلب محتواه في صور الرقص والغناء والتبوريدة، وهي مقتبسة من أنشطة بعينها مما جرت عليه عادة المتابعات التلفزيونية الرسمية. ومما زاد الطين بلة أن مداخلات رئيس مجلس النواب الحبيب المالكي، ورئيس فيدرالية الصناعات الثقافية والإبداعية نائلة التازي، لم تشر إلى ورش أساس في الثقافة المغربية، هو الذي يصنع مجدها الآن على الصعيد العربي، والمقصود به الآداب والفكر والعلوم الإنسانية والاجتماعية، إلخ. وحتى المحاولة السيئة لرئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أحمد رضا الشامي في تقليد الفنان الشهير جاك بريك لم تخل من إيحاء مما كانت تريده الجهات المنظمة بما سمته ب»المناظرة الوطنية للصناعات الثقافية». أما وزير الثقافة محمد الأعرج، فلم يشر إلا تلميحا إلى بعض الجوانب المتصلة بالكتاب، وعلى نحو خاص الدعم الموجه للناشرين. أضف إلى هذا الحجة الدالة على هذا الاختيار المقصود في المناظرة، وهي المتصلة بالمضمون الوارد بالملف الإعلامي الذي وزع على الصحافيين قبيل انطلاق أشغالها صباح الجمعة. وما عدا إشارة محتشمة جدا إلى النشر والكتاب، فإن هذا الملف يخلو من أي إشارة واضحة إلى الأدب والفكر والعلوم الإنسانية والاجتماعية، مثلما فعل فيما سماه بالفنون المرئية والموسيقى والعروض الحية والسينما والسمعي البصري والمهرجانات والفولكلور، إلخ. الإشارات الواضحة، خلال افتتاح المناظرة، والتي جعلت تلك الثلة القليلة من المثقفين الذين حضروا الجلسة الأولى، كانت تفيد في المجمل الجوانب التنظيمية، لا المحتويات الثقافية، وتروم الجانب الإنتاجي المدر للدخل المادي، لا النتاج الذي يصنع النهضة والحضارة، مثلما كانت تستهدف المقاولات المالية، لا المثقفين والمبدعين والفنانين الذين لا يستفيدون من عائدات هذا الدخل سوى النزر القليل من الحقوق المستحقة. كما أنها لا تصنف نفسها كاستمرارية للمناظرات الوطنية السابقة للثقافة، وفي مقدمتها المناظرتين المنظمتين في إفران وتارودانت. يشار إلى أن أشغال هذه المناظرة، التي نظمتها وزارة الثقافة وفيدرالية الصناعات الثقافية والإبداعية، انصبت أساسا حول إمكانية بناء تصور جديد للانتقال بالثقافة من مستواها الرمزي الباني للنهضة والحضارة، إلى مستوى آخر يتعلق أساسا بكيفية تحويلها إلى مصدر للدخل و»منجم» قادر على خلق مناصب جديدة لفائدة الشباب. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المناظرة شهدت مشاركة، إلى جانب الجهات الحكومية والرسمية، كلا من وزير التعليم سعيد أمزازي، والمنتجة أمينة بنجلون، والملحن والمطرب امحمد الدامو، والمخرجة هاجر الجندي، والمنتج والمخرج نبيل عيوش، والجامعي محمد الطوزي، والوالي خالد سفير، والوزير محمد ساجد، والجامعي جامع بيضا، ورئيس مؤسسة المتاحف مهدي قطبي، والمحامي إلياس خروز، والكاتب العام لمجلس الجالية عبدالله بوصوف، والتشكيلي ماحي بينبين، والخبير الأثري محمد السكونتي، وغيرهم.