ها قد ولدت الحكومة من جديد، بعد شهرين من المخاض، وعشية الدخول البرلماني للسنة التشريعية الرابعة، وعلى مسافة سنتين من انطلاق الانتخابات التشريعية الثالثة في ظل دستور 2011، في خضم سياق اقتصادي واجتماعي وسياسي صعب، سواء وطنيا أو إقليميا أو دوليا، فما القراءة الممكنة لهذا الحدث السياسي؟ للحكومة الجديدة سمات لافتة؛ أولاها، أنها حكومة مقلصة عدديا، فقد انخفض عدد الحقائب من 39 إلى 23 حقيبة، دون احتساب رئيس الحكومة، وهذا الإجراء هدفه المباشر والمعلن هو البحث عن الفعالية والنجاعة. تتمثل السمة الثانية في نسبة التجديد التي لم تتجاوز 26%، من خلال استوزار 6 وزراء جدد، بحثا عن الكفاءة والمردودية، حسب ما هو معلن كذلك. أما السمة الثالثة، فتتعلق بتعزيز موقع النساء داخل الحكومة (4 وزيرات بصلاحيات بدل كاتبات دولة)، والانفتاح على الشباب المسيّس في شخص الكاتب الوطني لشبيبة العدالة والتنمية، محمد أمكراز. من نتائج ذلك، أولا، مغادرة 20 وزيرا وكاتب دولة للحكومة. وثانيا، تثبيت وزراء في قطاعاتهم، خصوصا من حزب العدالة والتنمية وحزب الأحرار والوزراء التقنوقراط، بل إن بعضهم، أمثال وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان ووزير الاقتصاد والمالية، جرى توسيع قطاعاتهم، وبالتالي، تعزيز سلطاتهم. وثالثا، حذف قطاعات محددة مثل قطاع الاتصال، والوظيفة العمومية، والمجتمع المدني، والشؤون العامة والحكامة، مع إلحاق بعضها بقطاعات استراتيجية أو برئاسة الحكومة. ورابعا، يلاحظ أن كل التغييرات شملت أساسا وزراء الأحزاب، فيما لم تشمل الوزراء التقنوقراط الذين يُحسبون عادة على القصر الملكي. ولا شك أن هذه التوجهات ستكون حاكمة للمستقبل. معنى ذلك أن عهد الحكومات الموسعة انتهى، ولن يكون بإمكان أي حكومة مقبلة عقب انتخابات 2021، مثلا، أو ما بعدها، التراجع عن هذا المنحى المتمثل في التقليص العددي. بعبارة أخرى، لن يكون للترضيات الحزبية تأثير كبير في تشكيل الحكومات المقبلة، حتى لو كانت أحزاب الأغلبية 6 أو 5، كما هو الحال في الحكومة الجديدة. كما أن الانفتاح على الشباب المسيّس ينطوي على رسالة أخرى إلى الرأي العام، تتضمن اعترافا ضمنيا بالمجهود التأطيري لشبيبة العدالة والتنمية وسط الشباب المغربي، قد يكون من بين أهدافها «ضبط» شبيبة الحزب الحاكم، لكن الخطوة، في حد ذاتها، تتجه بقوة نحو المستقبل كذلك، أي رغبة الدولة في إدماج مزيد من الشباب الفاعل والمسيّس ضمن المؤسسات، بما فيها الحكومة. لكن، رغم ذلك، يبدو أن انتظارات المواطنين كانت أكبر من الرسائل التي قدّمت. لقد رفع الخطاب الملكي في عيد العرش حول استوزار الكفاءات سقف التوقعات، لكن الجواب كان هو التجديد في حدود 6 وزراء فقط، مع الإبقاء على غالبية وزراء الحكومة السابقة، وعند المقارنة بين بعض الوزراء الجدد وبعض من غادروا، أو الذين جرى تدويرهم لتولي حقائب أخرى، يبدو أن محدد الكفاءة لم يكن حاسما في عدد من الحالات، وهذا معناه أن اعتبارات أخرى دخلت على الخط، تتعلق، في الغالب، بوضعية الأحزاب السياسية ومنطق الاستوزار داخلها. ومع ذلك، ينبغي الانتباه إلى أن الحكومة الجديدة تعكس ميزان قوى جديدا أو هو قيد التبلور، ربما يُراد تعزيزه وتقويته لفترة ما بعد انتخابات 2021. ويمكن استنتاج ذلك من خلال التركيبة الجديدة، التي تعكس تراتبية القوى الأساسية؛ التقنوقراط (8 حقائب)، حزب العدالة والتنمية (7 حقائب)، حزب الأحرار (5 حقائب)، مع حضور رمزي لحزبي الحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي. ويلاحظ، في هذا الصدد، أنه باستثناء حزب العدالة والتنمية، هناك غياب للسياسيين بين وزراء باقي الأحزاب المشاركة، وتبرز هذه الملاحظة جيدا عند النظر إلى ما حدث لوزراء حزب الأحرار، حيث أبعد اثنان من وزرائه السياسيين، وهما رشيد الطالبي العلمي ومحمد أوجار، لصالح تعزيز الوزراء التقنوقراط الذين لا يبدو أن لهم صلة بالحزب، بمن فيهم وزيرة السياحة الجديدة، وقبلها وزير المالية والاقتصاد. من هذه الزاوية، تبدو الحكومة الجديدة مقدمة لتوازنات يجري بناؤها لتكون جاهزة للتشغيل في الفترة ما بعد انتخابات 2021، يُراد أن تكون في صالح ثلاثة أطراف؛ التقنوقراط و«البيجيدي» والأحرار. كل طرف يُمثل قوة معينة في الوسط السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهذا معناه أن الحكومة الجديدة تحمل في العمق جوابا استباقيا وتوافقيا بين تلك الأطراف بشأن التحديات القائمة الآن وفي المستقبل المنظور.