لطالما كان صلاح الدين مزوار حذرا، يختار كلماته بعناية، مطوقا بالهالة الرسمية وهي تلاحقه باستمرار. لكنه لم يكن دائما متحفظا، كما لم يكن شخصا هادئا. لقد كانت هذه هي شخصيته وقد صُقلت على عجل، منذ أن تقرر أن يصبح مدير شركات شخصية عمومية. كان يحاول تقليد الوزير الأول الفرنسي السابق، دومينيك دوفيلبان، في طريقته في الحديث، كما في كل شيء آخر مرتبط بكونه سياسيا. في بعض الأوقات، كان من الواضح أن مزوار ينظر إلى دوفيلبان بانبهار. لكن تقمص الشخصيات ليس الطريقة الوحيدة لصنع وصفة النجاح. لم يكن مزوار أرعن؛ وهو يتحدث عن الكيفية التي تتخذ فيها الديناميات السياسية مسارها في منطقة المغرب الكبير. بيد أنك تشعر بأن الرجل بالفعل قد تهور قليلا. لا تقدم الكلمات الفظة المتضمنة في بلاغ وزارة الخارجية أي فائدة في التحليل. تتحول مناطق الظل إلى عائق في طريق تكوين أي رأي دقيق، لكنها مفيدة في دفعنا إلى تحليل ما تعنيه الرعونة السياسية. ليست لدينا دلائل على أن السلطات كانت تبذل المجهود نفسه في مكافحة الرعونة، على الصعيد السياسي بشكل عام، أو في ما يتعلق بما كان مطلوبا من مزوار نفسه أن يفعله طيلة هذه السنين القليلة التي كان فيها بيننا. عندما أوتي بمزوار، أول مرة، عام 2004، لكي يكون وزيرا «رئيسا» في حكومة إدريس جطو، لم يكن هناك مجال للتكهن بما سيصير إليه. لقد كان مجرد واحد من أولئك التقنوقراط المتباهين بمقدرتهم على الدوس على خطوط الأحزاب، وقد جرى صبغه بألوان حزب التجمع الوطني للأحرار، كالعادة أيضا. مزوار، في نهاية المطاف، هو أداة عمل، ولم يكن يمثل يوما برنامجا. ولقد ظل على هذه الحال فترة طويلة، حتى نهاية العام 2009. في ذلك العام، صدر قرار بتنحية مصطفى المنصوري عن قيادة حزب التجمع الوطني للأحرار. الخطيئة التي لا تغتفر كانت خطابا ألقاه في اجتماع المكتب السياسي للحزب، وجرى تسريبه بالكامل إلى الآذان المناسبة. كانت لدى المنصوري رؤية مختلفة عن حزبه، حيث يدور في الوسط دون أن يظهر مستسلما ولا معتديا. لم يكن عليه أن يرفض الإسلاميين، لكنه أيضا لم يرغب في توقيع عقد تفويت حزبه إلى المشروع السياسي الناشئ آنذاك، حزب الأصالة والمعاصرة. بشكل مفاجئ، ودون أن يغير ياقته البيضاء، أصبح مزوار معارضا شرسا، يتحلق حوله وزراء الحزب وطبقته الرخوة من رجال الأعمال المرتعبين. في وقت قصير، ودونما الحاجة إلى أي شيء آخر، نقل مزوار من منصبه السياسي وزيرا يحاول التأقلم مع ظروف السياسة، إلى رئيس حزب كبير. كانت تلك بالفعل رعونة، لكن أولئك الذين كانوا يخططون لجعل أي شيء يستلقي على ظهره لكي يمر فوقه «البام»، لم يكن يهمهم سوى النتائج الظرفية. بعدها بعام، وتحت وطأة التقلبات السياسية بسبب حراك 20 فبراير، طرأت الفكرة العجيبة -وهي مازالت قائمة في بعض الأذهان حتى الآن- لتشكيل تجمع خرافي لمواجهة الإسلاميين في الانتخابات المبكرة. الG8، كما سمي آنذاك، كان عبارة عن خطة بديلة للمخطط الأصلي، حيث يستولي البام على كل شيء. الآن، عليه أن يشارك الذين يشبهونه حصة من الغنيمة المتوقعة. مزوار كان هو رئيس ذلك التجمع، لم يفرض نفسه، ولكن أوتي به لأداء هذه المهمة، وقد قبل. كان مجرد Job كالعادة. انهار ذلك التجمع بالسرعة التي صمم بها، وانتهى مزوار وباقي رفاق سلاحه، الذين رفعوا أذرعهم باعتداد بالنفس مبالغ فيه فوق سطح فندق بالرباط، منتشرين على المقاعد الباردة في المعارضة. هذه مهمة لا يفهمها مزوار، لكنه قبل بها كذلك على مضض. مجرد رعونة إضافية. قضى مزوار فترة كئيبة في المعارضة، حيث بات مجبرا على أن يتكيف مع متطلبات قيادة حزب غير مهيأ للمعارضة كما هو حاله شخصيا. وقد تفاقمت المشاكل داخل الحزب حتى وصلت إلى القدر غير المحتمل. حينها بزغ الحل؛ فقد تسببت رعونة حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال عام 2013، في فتح الباب مجددا أمام مزوار لنقل حزبه المنهك إلى المناصب الحكومية، وقد ضمن لنفسه، بالطبع، كرسيا مريحا بوصفه وزيرا للخارجية. ولمكر الصدف، فقد كان سجل مزوار في تلك الوزارة مثقلا بعبارات الإدانة. لمن؟ لشباط نفسه. لقد قرر شباط يوما أن يفتح فمه وهو ليس مسؤولا رسميا، ولا رئيس حزب في الحكومة، وأن يتحدث عن الحدود التاريخية للبلاد. بلاغ وقعه مزوار يحمل الشتيمة السياسية المناسبة كان كافيا لجعل حياة شباط مملة بعد ذلك الوقت. أكانت رعونة؟ بالطبع، لكن شباط كان شخصا يتعرض للمقت الجماعي، ولم يحظ بأي تعاطف. لكنها تدور؛ سيجرب مزوار نفسه، بعد ذلك بقليل، مذاق الهزيمة في الانتخابات دون أن يستطيع تحميل مسؤولية ذلك لشخص آخر. في 2016، ذهب إلى بيته وفي جيبه 37 مقعدا في البرلمان لا تنفع عمليا في أي شيء، ثم رن الهاتف. أتى مزوار إلى مكتبه السياسي يطلب الصفح، ثم غادر. كانت تلك رعونة مزدوجة. لكن على مزوار ألا يبقى دون عمل؛ وبديله في الحزب، عزيز أخنوش، الذي يشبهه في كل شيء إلا وفرة المال، قرر أن يحشره بين رجال الأعمال، بل وأن يجعله رئيسا عليهم. كانت تلك أول مرة يتولى فيها رجل لا يملك شركة قيادة أولئك الذين يملكون الكثير منها. تلك أيضا كانت رعونة. لقد تضاءل حجم مزوار كثيرا بعد ذلك. الباطرونا نفسها لم تعد تقبل به، وبالكاد كان يستطيع إدارة نقابته. وهو، كما أعرفه، ليس بالرجل الذي يقبل إهانته. في الغالب، كان يخطط لشيء ما، وحديثه المتكرر في مراكش عن كونه «رجل سياسة» كان موحيا. الخطأ الوحيد بالنسبة إلى مزوار، المتشبه بدوفيلبان، هو استسلامه للرعونة وقد أحاطت به من كل جانب، وكأنه، بشكل ما، خلق ظروف نهايته. مثل دعوته نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي السابق، إلى تجمع في نقابته، لكي يلقي خطابا على رجال الأعمال المغاربة. كان عليه أن يعرف أن ساركوزي ليس فأل خير.