إدريس الفينة *خبير ومحلل اقتصادي ما مدى صحة الفكرة السائدة، التي تقول إن المنظومة البنكية المغربية قوية ومنيعة ضد الصدمات والأزمات المالية؟ أعتقد أن القوة كقدرة تمويلية في الاقتصاد المغربي تبقى ضعيفة بالنسبة إلى البنوك، والدليل على ذلك، هو أرقام إنتاج القروض التي تعتبر ضعيفة، ما يعني أن هذه المؤسسات البنكية غير قادرة على تحريك الاقتصاد المغربي بعيدا عن المجهود العمومي الذي يبذله الاستثمار الحكومي. الخطاب الملكي الأخير، بمناسبة افتتاح السنة التشريعية، نبّه إلى هذا الإشكال، فالبنوك المغربية تشتغل، أساسا، بفضل ودائع الزبناء وليست لديها مصادر تمويلية أخرى، إذا استثنينا الدفوعات والتسبيقات التي يقوم بها بنك المغرب، ما يجعلها بصدد “إعادة بيع” الأموال، وهو ما لا يمكن اعتباره مجهودا اقتصاديا خالصا، علما أن الفرق كبير بين معدل الفائدة المركزي ومتوسط سعر الفائدة الذي تطبقه البنوك على زبنائها. في مقابل ذلك، نلاحظ أن البنوك المغربية تحقق أرباحا كبيرة، ما يدل على سيادة المنطق الريعي، والذي يتجلى إلى جانب مصادر التمويل في كلفة الخدمات المرتفعة وغياب المنافسة، حيث يبدو الفاعلون في المجال البنكي كما لو يتقاسمون الأدوار باتفاق مسبق. كيف تؤثر المنظومة البنكية المغربية بالمناخ السياسي وتتأثر به؟ أعتقد أن هذا السؤال يصادف ما نعيشه اليوم من “موسم” بالمعنى الدّ ارج للكلمة، يعرفه البرلمان بمناسبة مناقشة مشروع القانون المالي، لكننا وبعد شهر ونصف أو شهرين، سوف ننسى بشكل كامل هذه النقاشات المرتبطة بالسياسة المالية والاقتصادية، ولن نعرف أي “موسم” آخر للحديث عن تمويلات أخرى للاقتصاد خارج الميزانية العامة. العالم اليوم يعرف نقاشات أخرى عن تمويلات جديدة، بينما نحن في المغرب لا نتحدث أصلا عن أمور مرتبطة بشكل مباشر بالمجال البنكي. لا أحد اليوم يعرف ماذا تفعل الوكالة الوطنية لسوق الرساميل مثلا، ولا كيف تتعامل مع الشركات التي تتقدم بطلبات الحصول على تمويلات كبيرة، كما لا يناقش أحد السياسة النقدية في البلاد كما تفعل الديمقراطيات الكبيرة في العالم. لندخل إلى الموقع الإلكتروني لمجلس الشيوخ الفرنسي مثلا، لنجد الكم الهائل من الدراسات الخاصة بالبرلمان الفرنسي حول البنوك، فالبرلمان يحتاج إلى إنتاج خبرة مضادة عبر فرقه ومكاتب دراسات خاصة به، بينما نحن مازلنا نعيش على إيقاع الفوضى ونتفرج على التراجع العام للاقتصاد. ما الذي يفسر ضعف انخراط البنوك المغربية في تمويل الاستثمار؟ أليست هناك أسباب موضوعية تحول دون ذلك؟ المؤسسة البنكية المغربية تعتبر صارمة جدا في تفعيل مبدأ الولوجية. فليس أي كان، سواء الأشخاص الذاتيون أو الموضوعيون، يمكنهم الحصول على التمويلات البنكية. لننظر فقط إلى طلبات الحصول على القروض العقارية، فلا يمكن أن تتم الموافقة عليها إذا لم تتأكد المؤسسة البنكية من وجود دخل ثابت وعلى المدى البعيد، أي أن نسبة المجازفة لدينا أقل من الصفر. أما المقاولات، فالأبناك لا تمنحها القروض ولا التسهيلات المالية دون التوفر على أصل تجاري متين أو امتلاك أصول ثابتة مثل العقارات أو ما يشبهها، حتى يمكن للبنك رهنها لديه. هذا الوضع لا يسمح بتمويل الاقتصاد من خلال البنوك، حيث يستحيل عليك أن تنال التمويل على أساس “بزنس بلان”، كما يقع في الولاياتالمتحدةالأمريكية، بل تحتاج إلى امتلاك أصول ثابتة، وهذا مبدأ ريعي لكون القروض التي تعيش صعوبة في السداد تعتبر ضعيفة جدا في المغرب مقارنة باقتصاديات أخرى. أي أن الانعكاسات السلبية تشمل المقاولات، كما المواطن العادي.. بطبيعة الحال، فالادخار الذي يقوم به المواطن المغربي لدى البنوك لا يجني منه مردودية حقيقية، بل يحصل على نسب فائدة ضعيفة جدا مقارنة بتلك التي يدفعها إذا حصل على قرض. زيادة على ذلك فإن الحسابات البنكية الجارية لا مردودية لها، بل إن الزبون مطالب بالدفع مقابل إيداع أمواله في حسابات جارية لدى البنوك، وهو أمر سريالي في المنظومة البنكية المغربية. أما المقاولات، فإلى جانب ما ذكرناه سابقا، تلزمها الإدارة في كثير من الأحيان بوضع ضمانات مالية لدى البنوك قبل الحصول على الصفقات، والمستفيد الوحيد من هذه الضمانات هو البنوك وليس الدولة، ويمكنك أن تتصور حجم الأموال المجمدة لدى البنوك بسبب هذه الضمانة التي تظل نائمة وخارج دورة الاقتصاد، كما أن هذا الإجراء يحرم المقاولات الصغيرة من التنافس حول الصفقات لعدم توفرها على الضمانة. إن اللوبي البنكي المهين يفرض هذا الوضع وهو الذي يمنع تطور ممارسات تمويلية جديدة، بما فيها البنوك التشاركية التي كانت له اليد الطولى في الطريقة التي خرجت بها إلى الوجود.