“دورة سياسية انتهت، ويجب التأسيس لأخرى تتجاوز أخطاء الأولى”، كانت هذه أبرز خلاصات ندوة سياسية بمدينة طنحة، أول أمس، نظمت في اختتام ندوة دولية حول “القيم والمؤسسات الديمقراطية: ما الذي تغير في شمال إفريقيا بعد 2011″، بشراكة بين الجمعية المغربية للعلوم السياسية ومركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، وتميزت بحضور أساتذة وباحثين وفاعلين من جامعات دولية ومن المغرب. الدعوة إلى مرحلة سياسية جديدة وردت على لسان أكثر من فاعل سياسي، اتفقوا على أن المغرب يعيش أزمة سياسية، لكن اختلفوا في تشخيصها، بين من يعتبر أن المشكل يكمن في الالتزام بدستور 2011 شكلا وروحا، وبين ما يرى أن الإشكال في الدستور ذاته، ويجب وضع دستور جديد بطريقة أخرى. آمنة ماء العينين، برلمانية عن حزب العدالة والتنمية، اعتبرت أن انتفاضات 2011 “لم تنجح”، وبعد سنوات وصلنا إلى مرحلة “يُبخس فيها دور الأحزاب”، حيث التوجه الأساسي هو “نحو الإمعان في قتل السياسة”، تساوقا مع موجة عالمية تعيش فيها الديمقراطية “أزمة” في مهدها التاريخي، أي الغرب، الذي صار مسرحا “للشعبوية”. واعتبرت ماء العينين أن جوهر الإشكال يكمن في “ترسيخ وعي الناس بالديمقراطية والحاجة إليها”، لأن “الإصلاحات الحقيقية هي التي تحتضنها الشعوب”، ونبّهت إلى صعود أجيال جديدة، في العالم العربي وفي الغرب، مستعدة “للقبول بأنماط جديدة من السلطوية بحجة أنها فعالة في تحقيق التنمية”، مؤكدة أن هذا التوجه هو إحدى نتائج “إبعاد المثقفين، وتهميش المختصين في العلوم الإنسانية داخل الأحزاب والمؤسسات”، في مقابل ارتفاع الطلب على استيراد النماذج من الخارج، لتخلص إلى أنه “لا تنمية بدون ديمقراطية، ولا إنجاز بدون مضمون سياسي”. التوجه نفسه، عبّرت عنه غزلان معموري، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، التي اعتبرت أن دستور 2011 هو “مكتسب لا ينبغي الاستهانة به”، لكنها انتقدت موجة “تبخيس السياسة، وتبخيس دور الأحزاب”. واعتبرت معموري أن الأزمة الحالية هي “نتاج مسؤولية جماعية”، وتقتضي أن نتوجه نحو المستقبل “عبر بث نفس ديمقراطي جديد”، لكن على أساس أنه “لا يمكن بناء نموذج تنموي جديد بدون أحزاب، وبدون ديمقراطية”. بالمقابل، عبّر آخرون عن رؤى متقاربة تفيد بأن المخرج من الوضع يقتضي إعادة النظر في القواعد المعمول بها، بما في ذلك تغيير دستور 2011. الفاعل الجمعوي واليساري، كمال الحبيب، عن منتدى بدائل المغرب، اعتبر أن دورة سياسية بدأت وانتهت، وقال “إننا نعتبر أن مرحلة انتهت، ويجب إطلاق دورة جديدة”، مؤكدا أنها تقتضي الالتقاء بدل الصراع “الالتقاء بين مختلف القوى ممكن، ولو اختلفت إيديولوجياتنا، وخصوصا إذا تم الاتفاق على قواعد واضحة للديمقراطية”. ولفت الانتباه إلى أنه “كانت هناك دائما إرادة من قبل الدولة العميقة لإضعاف الأحزاب السياسية، بما فيها الأحزاب التي كانت وراء إنشائها”، مشيرا إلى حزب الأصالة والمعاصرة الذي هو “قيد التفكك”. واعتبر أن السلطة “تضعنا اليوم أمام خيارين: إما الولاء أو الفناء”. ما يقتضي اللقاء بغرض بناء “جبهة وطنية” للنضال من أجل ثلاثة قضايا أساسية: تغيير الدستور، فصل السلط وبناء الدولة الديمقراطية، الحريات الجماعية والفردية. أما حسن بناجح، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة، فقد اعتبر أن المرحلة الحالية تقتضي “مرحلة تأسيسية جديدة وحقيقية” تكون استدراكا لأخطاء ما بعد 2011، وبعدما اعتبر أن كل ما جرى منذ احتجاجات 2011 حتى الآن، “أكد قراءة جماعة العدل والإحسان”، حيث قال إن “لدينا اليوم مؤسسات بدون روح، وحكومة لا تحكم، ومحاكم بدون قضاء مستقل”، في مقابل “مجتمع ديناميكي”، منهيا أن المرحلة الجديدة تقتضي الاتفاق على آلية لتدبير الخلاف، تتمثل في الديمقراطية “نحن مع الديمقراطية باعتبارها آليات لحل الخلافات، نحن معها إذا كانت هي احترام الإرادة الشعبية، وإذا كانت هي التداول على الحكم، ومع محاسبة من يحكم، وإذا كانت القيم الديمقراطية تقبل بالنقاش في موطنها الأصلي، فنحن مع النقاش الحر والعمومي”. وانتقد بناجح من يرى أن الإشكال السياسي اليوم يكمن في “تنزيل الدستور”، مؤكدا أن “الإشكال يكمن في الدستور ذاته، وفي منهجية وضعه”، متابعا “نحن مع مرحلة تأسيسية حقيقية بدستور ديمقراطي تضعه هيئة شعبية منتخبة”. علاوة على ما سبق، رأى فاعلون آخرون أن المدخل لبناء قيم الديمقراطية يقتضي العمل التحتي، أي من الأسفل، لإعادة بناء المجال السياسي والمدني. وفي هذا الصدد، انتقد مصطفى المريزق، منسق حركة “قادرون وقادمون”، ما وصفه ب”الشفقة في السياسة”، معتبرا أن “القوى السياسية اليوم متخلفة عن الركب”، كما أن النخب السياسية، خصوصا في المركز، باتت “عاجزة عن الفعل”، وبالتالي، “نحتاج إلى مراجعة المسلمات، وتجاوز منطق الريع، وواقع الجمود، من خلال ابتكار مداخل جديدة للفعل السياسي والمدني”، واعتبر أن حركة “قادرون وقادمون” ترى أن المدخل الرئيس لذلك، هو “المساواة”، داعيا إلى أن تكون “المعركة السياسية والحقوقية والمدنية في المستقبل، لأنها هي المدخل لإعادة بناء المجال السياسي والمدني”. وتابع المريزق أن المساواة إلى جانب قيم الحرية والعيش المشترك وفصل الدين عن الدولة، والمواطنة تعد، من وجهة نظره، “القيم الأساسية للديمقراطية كما نؤمن بها”. وقال إن حركة “قادرون وقادمون” سترافع وتناضل من أجل هذه القيم، وتراهن على خلق دينامية في المجتمع، خصوصا في الأطراف البعيدة عن المركز، بدل إنشاء فروع لها. واعتبر أن هذا الخيار هو الكفيل بأن يعيد إلى الأحزاب قوتها وبريقها الذي فقدته. أما محمد رفيقي أبو حفص، ناشط مدني، فقد اعتبر أن المدخل هو الإصلاح الفكري والديني، ثم إن “ما وقع بعد 2011، هو أن حاجز الخوف قد انكسر، وشرعت البنيات القديمة في التغير، وأن تحولات سريعة انطفأت بسرعة، ما نتج عن ذلك حالة من الإحباط”، ومضى قائلا: “أما ما حصل على مستوى القيم الدينية، فقد اختفى التقسيم السابق تدين سلفي، حركي، شعبي، وظهور أشكال جديدة، ميزتها الأساسية هي التوجه نحو الفردانية في صفوف المتدينين”. واعتبر أبو حفص أن “انتعاش التطرف بعد 2011 في شكل داعش، التي استقطبت شبابا واسعا، يرجع إلى حالة الإحباط والخيبة التي وقعت بعد فشل ثورات 2011″، بل إن أبو حفص لاحظ أن الإحباط والخيبة لم تدفع الشباب للالتحاق بداعش فقط، بل “تزايد حجم التمرد على الدين، بشكل غير مسبوق، بحيث سقط في تيهان فكري، علاوة على موجة من الارتداد عن الدين، واللاأدرية، وربما الإلحاد، وهذا لأن التطورات ما بعد 2011 عرّت الكثير من الخطابات، والزعامات الدينية التي فشلت في إدارة المرحلة، ما أدى إلى ردود فعل غاضبة”. وخلص أبو حفص إلى أن كل التحولات التي أتت بعد 2011، على مستوى القيم الدينية، هي “تحولات إيجابية”، من شأنها أن تسهم في إعادة بناء علاقة عقلانية بين الدين والدولة.