تزامنا مع المهرجان الوطني للفيلم بمدينة طنجة، كانت الجريدة قد توصلت بمراسلة من الكاتب الروائي حسن المددي، تفيد أن فيلم «مواسم العطش» مقتبس من روايته «ليال بلا جدران». لكن مخرج العمل حميد الزوغي لم يشر إلى هذا الأمر ضمن «الجينيريك»، بينما لم ينكب المركز السينمائي المغربي على حل المشكلة حتى الآن. هكذا، تثير الجريدة الموضوع، حيث تواصلت مع مختلف الأطراف، تبيانا لجوانبه الشائكة. في مستهل مارس الماضي، عرضت إدارة المهرجان الوطني للفيلم فيلما للمخرج حميد الزوغي بعنوان “مواسم العطش”. كان هذا العرض بداية قصة مثيرة للجدل لم تنتبه إليها، إلى حدود اليوم، إلا قلة من العارفين بالفن السابع في بلادنا. قوام هذه القصة أن الفيلم المذكور اعتمد على سيناريو من توقيع إبراهيم هاني، وهو مستوحى من رواية “ليال بلا جدران” للكاتب الروائي والشاعر المغربي حسن المددي. إلى هنا، تبدو القصة عادية. لكن المثير فيها هو أن المخرج لا يشير، ضمن “جينيريك” الفيلم، إلى المصدر الأصلي للسيناريو؛ أي إلى رواية “ليال بلا جدران”، التي أصدرها المددي سنة 2014 عن دار توبقال. انطلقت فصول هذه القصة، عندما حل مخرج آخر، هو إدريس اشويكة”، بمدينة تيزنيت حيث مقر إقامة الروائي حسن المددي، في إطار نشاط مسرحي. التقى المددي باشويكة هناك، وقدم نسخة من روايته “ليال بلا جدران” كهدية. الرواية والسيناريو! بعد فترة، شاءت الصدفة أن يتوصل المخرج إدريس اشويكة، كما يقول هذا الأخير لجريدة “أخبار اليوم”، باقتراح سيناريو من إبراهيم هاني بعنوان “مواسم العطش”. لكن اشويكة استمهله إلى حين قراءة السيناريو واتخاذ قرار حول إمكانية تحويله إلى فيلم. ولأنه كان قد قرأ رواية “ليال بلا جدران”، فقد تبين له أن السيناريو مستوحى من هذه الرواية، مع استبدال أسماء الشخصيات والأمكنة والفضاءات وتغيير طفيف في بعض الأحداث. بعد ذلك، نبه اشويكة هاني إلى أن سيناريو “مواسم العطش” يقع الحافر على الحافر، من الأول حتى الآخر، مع رواية “ليال بلا جدران”، طالبا منه الاتصال بصاحب الرواية من أجل تنسيق العمل.. اتصال لم يحصل أبدا، بحسب تصريح المددي. غير أنه وجب التنبيه هنا إلى رواية جاءت في مراسلة توصلت بها الجريدة من المددي، يقول فيها ما يلي: “أهديت نسخة من رواية “ليال بلا جدران” للمخرج المسرحي والسينمائي الأستاذ إدريس شويكة، وبعدما قرأها سلمها لسيناريست يدعى إبراهيم هاني قصد إنجاز سيناريو حول جانب من جوانبها، وقد أخبرني الأستاذ شويكة أن السيد إبراهيم هاني أنجز السيناريو وسلمه إياه، غير أن الأستاذ إدريس اشويكة تفاجأ بكون السيد هاني قد أعطى السيناريو للمخرج حميد الزوغي الذي أخرجه على شكل فيلم بعنوان “مواسم العطش”، ويتناول فكرة روايتي نفسها وموضوعها وعددا من أحداثها. ولقد تفاجأت حين أخبرني الأستاذ إدريس اشويكة بالأمر، وبعث لي نص سيناريو “مواسم العطش” الذي كان قد كتبه له السيد إبراهيم هاني. وتجدر الإشارة إلى أن المخرج الأستاذ إدريس شويكة أخبرني أنه مستعد أن يشهد في هذه القضية.” والثابت هنا هو أن الروايتين معا تكشفان أن رواية “ليال بلا جدران” هي أصل فيلم “مواسم العطش” الذي أنتجته شركة “س. أ. ف. للإنتاج”. يؤكد هذا القولَ الناشرُ عبد الجليل ناظم، صاحب دار توبقال التي نشرت الرواية، الذي اعتبر أن المسألة تتعدى توارد خواطر في العملين، وأن السيناريو والرواية يتطابقان بنسبة كبيرة جدا، وأن الأول يستلهم حبكته من الثانية بشكل كبير جدا، علما أن الكتاب وصل إلى كاتب السيناريو، كما يقول المددي وناظم، عن طريق المخرج إدريس اشويكة. في هذا السياق، يكشف الناشر عبد الجليل أنه طرح الموضوع على أنظار المركز السينمائي المغربي، لكنه لم يتلق أي جواب. كما يكشف أنه راسل مخرج الفيلم حميد الزوغي بغية الحصول على توضيحات عن سبب عدم الإشارة، ولو معنويا، إلى مصدر الفيلم، بدون جواب لحد الآن، كما يقول ناظم. مقارنة بين العملين لا بد من الوقوف، ولو بإيجاز، على محتوى الرواية والسيناريو من أجل المقارنة. إذ تتناول رواية “ليال بلا جدران” موضوع هجرة اليد العاملة المغربية في بداية الستينات من القرن الماضي إلى فرنسا للعمل في مناجم الفحم. تجري أحداثها في قرية صغيرة مهمشة ظلت تعيش في هدوء، إلى أن حل بها مشغل فرنسي، يدعى “فيليكس مورا”. إذ عمل هذا الأخير على تهجير شبابها إلى فرنسا، حيث لم يترك فيها سوى النساء وفقيه ومعلم، إضافة إلى من لم يقبلهم بسبب العجز أو الإعاقة أو غيرها من الأسباب. وستعيش تلك القرية مشاكل اجتماعية تتمثل في معاناة النساء اللواتي يتركهن أزواجهن مدة سنتين أو أكثر. وعلى النحو ذاته، يسير سيناريو “مواسم العطش” (يشار هنا إلى أن الجريدة توصلت بنسخة كاملة من سيناريو الفيلم). إذ نقرأ من ملخص الفيلم على موقع المركز السينمائي المغربي أن الفيلم يروي قصة قرية مغربية في ستينات القرن الماضي. إذ يجبر الرجال على مغادرة القرية من أجل العمل في الحقول ومناجم الفحم التي يستغلها الأوروبيون، تاركين وراءهم نساءهم يذبلن في عوالمهن الخاصة… في صمت طويل وانتظار لامتناه. تكشف المقارنة، على سبيل المثال، أن الفيلم يتحدث عن النصراني الذي يأتي إلى الدوار من أجل تهجير اليد العاملة بغية العمل في مناجم الفحم بفرنسا، بدل “فيليكس مورا” كما في الرواية. وبدل المعلم أحمد والفقيه عثمان اللذين في القرية، يتحدث السيناريو عن بقاء حمان وداوود في الدوار، وبدل زواج مبارك بخدوج، يأتي بحكاية زواج عبد القادر برحمة، إلى غير ذلك من التعديلات التي لا تخرج، في النهاية، عن مجرى الأحداث في الرواية. توضيحات وتعليقات تفاعلا مع الموضوع، اعترف حميد الزوغي، مخرج فيلم “مواسم العطش”، بأنه تلقى مراسلة الناشر عبد الجليل ناظم، لكنه برر عدم الرد عليها بالقول إنه لا دخل له في الموضوع. كما قال إن الأمر يقتضي، في الحالة الطبيعية، أن يتقاضى الجميع حقوقه، سواء المؤلف أو كاتب سيناريو أو غيرهما. في السياق ذاته، كشف صاحب “خربوشة” و”بولنوار”، أنه يثق في إبراهيم هاني، كاتب السيناريو، وأنه أعجب بالسيناريو الذي اقترحه الأخير عليه، مذكرا أنه اقترح العمل على لجنة خاصة في المركز السينمائي المغربي. إذ أقرته هذه الأخيرة، ولذلك انكب على تصويره. فضلا عن ذلك، أوضح الزوغي أنه لا يمكنه التعليق الآن أو إصدار حكم على الموضوع، لأنه لم يقرأ رواية “ليال بلا جدران” بعد، مشيرا أنه لو كان مطلعا عليها، لما طرحت المسألة أصلا، لأنه حريص على حقوق الجميع. أما فيما يتعلق بالمخرج إذا ثبت أن السيناريو مستوحى من الرواية فعلا، فأجاب الزوغي أن الحل هو التوجه إلى المحكمة، وعلى المدعين إثبات مشروعية شكواهم لإحقاق الحقوق لأصحابها. بدوره، نفى كاتب السيناريو إبراهيم هاني أن يكون قد اقتبس الموضوع من رواية “ليال بلا جدران”، قائلا إنه لم يقرأ هذه الرواية، كما أنه لم يعرف اسم كاتبها إلا بعدما طرحت عليه الجريدة هذه القضية. وأكد أنه كتب السيناريو قبل تاريخ صدور رواية المددي، وأنه اقترحه فعلا على المخرج إدريس اشويكة، وعلى مخرج آخر لم يذكر اسمه، ربما في سنة 2012 أو 2013، كما أنه اقترحه على مخرجه الحالي سنة بعد ذلك؛ أي خلال سنة 2014. وأشار إلى أن مراسلاته مازالت محفوظة في بريده الإلكتروني إلى اليوم. «مواسم العطش» في رواية عراقية في سياق البحث في تلابيب هذا الموضوع، توصلت الجريدة إلى وجود قضية مماثلة، تهم الفيلم ذاتها، كان أثارها الكاتب الروائي العراقي حسين عبد الخضر، على صفحته، في وقت سابق. يتعلق الأمر بكون هذا الأخير كان قد أصدر سنة 2009 رواية بعنوان “مواسم العطش”. إذ كتب هذا الروائي، على صفحته، متسائلا: “هل هي مصادفة أن يحمل الفيلم المغربي للمخرج حميد الزوغي عنوان روايتي الصادرة عن دار أزمنة للنشر سنة 2009 (مواسم العطش” وأن تدور أحداث الفلم حول معاناة نساء قرية يهجرها رجالها بحثا عن عمل في مكان آخر، فيما يدور القسم الكبير من الرواية حول معاناة النساء اللواتي يغيب الموت أو القمع البوليسي للسلطة رجالهن؟”. ويتابع الكاتب العراقي ملاحظته بالقول: “أرجو أن يكون الأمر مجرد توارد خواطر أو مصادفة أو استلهام فات المخرج أن يشير إليه.” ردا على هذه التدوينة، قال إبراهيم هاني إنه لا يعرف الرواية، ولا كاتبها العراقي.