كيف تفسر تراجع المغرب في ترتيب مؤشر «إدراك الفساد» بعد التحسن الذي كان قد حققه السنة الماضية؟ ما الذي حدث في 2019؟ هذا التراجع، الواضح طبعا، راجع إلى أن المغرب صادق على الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الرشوة سنة 2015، في إطار الحكومة السابقة، لكن تفعيل الأمر لم يقع إلى حدود اليوم ونحن في 2020، وأسجل أن هذه الاستراتيجية تضم مجموعة من المحاور، سواء تلك المرتبطة بالحكامة الجيدة، أو الإصلاحات القانونية، وأيضا توفير إمكانيات بشرية ومادية، فضلا عن القسم المرتبط بالتكوين والذي لم يفعَّل، ونتيجة هذه العوامل هي أن المغرب تراجع بسبع نقط في ما يتعلق بالترتيب بين 180 دولة، وانتقل من الرتبة 73 إلى 80، حيث كانت لديه 43 نقطة على 100، فصار في 42 نقطة. وينبهنا هذا التراجع إلى أن المغرب بقي واقفا وجامدا ولا يتقدم مقارنة بدول أخرى كانت متراجعة مقارنة بالمملكة، لكنها استطاعت تجاوزنا، مثل تونس والسنغال وجنوب إفريقيا والأردن، أي دول مماثلة. فضلا عن السعودية وبعض الدول الخليج، كيف تفسر تفوق دول هذه المنطقة على المغرب في «مؤشر الفساد»، خاصة أن «ترنسبارنسي» تربط بين تراجع الديمقراطية وانتشار الفساد؟ هذه النقطة التي ذكرتها في الحقيقة هي ملاحظة مهمة، وكانت موضع تساؤل لدينا أيضا، لأن مؤشر إدراك الرشوة استند إلى النقط التي منحتها السبع الوكالات المشاركة فيه، ومن بينهما وكالة «الوورد فورم إيكونوميك» أو المنتدى الدولي الاقتصادي الذي لاحظنا أنه كان سخيا في منح النقط لبعض دول الخليج، وهذه المسألة قد تكون لها علاقة باهتمام الوكالة بالأعمال ورجال الإعمال، وربما أيضا لعبت الحرية الضيقة في السعودية وفي الخليج دورا مهما في تصريح رجال الأعمال بكل شيء، مخافة وضع أسمائهم في اللائحة السوداء، تماما كما حصل في الشهور السابقة عندما ضبط في المملكة السعودية مجموعة رجال أعمال، حوكموا دون محاكمة، وجرى وضعهم في فندق وابتزازهم ماديا، وبالتالي، نحن نتساءل بخصوص مدى مصداقية مؤشر المنتدى العالمي الاقتصادي. هل يمكن أن تكون للأمر علاقة بلجنة مكافحة الفساد، التي أحدثها ولي عهد المملكة السعودية محمد بن سلمان منذ 2017؟ أعتقد أن محاربة الفساد لا يمكن أن تكون شخصية، بل مؤسساتية، ويجب أن تتوفر فيها مجموعة من الشروط المتمثلة أساسا في سيادة دولة الحق والقانون، وحرية التعبير، وحرية الصحافة، والمساواة بين الجنسين، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وفصل السلط واستقلالها، وهذه كلها شروط غير متوفرة في السعودية أو في دول الخليج عامة. في نظرك، هل فشلت حكومة العثماني في تعزيز منظومة النزاهة ومواصلة محاربة الرشوة؟ بالنسبة إلينا، فإن مختلف الحكومات التي تعاقبت على المغرب فشلت في ذلك، فمنذ 1999، أي حكومة عبد الرحمان اليوسفي، عندما كان المواطنون والفاعلين يسائلونهم بخصوص الفساد، كان المسؤولون يردون بأن هذه الفترة تعرف استمرار «جو المقاومة»، والحكومة ما قبل الأخيرة، التي رأسها عبد الإله بنكيران، كانت تتهرب من الجوانب عن السؤال باستحضار التماسيح والعفاريت، ثم تلتها حكومة العثماني، وبالتالي، هذه الحكومات كلها أفضت إلى عدم تنفيذ استراتيجيات إيجابية في هذا الموضوع. لكن رئيس الحكومة، وقبل يومين فقط من صدور التقرير الأخير ل«ترنسبارنسي»، قال إن الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد تسير وفق ما خططت له حكومته، حيث إن المغرب ضمن البلدان العشرة التي حققت أكبر تقدم في مؤشر إدراك الفساد؟ نعم، لقد استند إلى تقرير «ترنسبارنسي» لسنة 2018، ولم يكن يعلم أو يتوقع أن تقرير 2019 سيكون عكس توقعاته، وسيسجل حالة جمود وركود في أداء الحكومة في 2019. وطبعا، لا تكفي التصريحات وحسن النوايا، لكن يجب تنزيلها على أرض الواقع. وبلا شك، فإن المواطنين تابعوا قانون «الإثراء غير المشروع» الذي لايزال منذ أربع سنوات في البرلمان، والنقاش الأخير بين بشكل جلي أنه لا توجد إرادة سياسية داخل بعض الفرق البرلمانية من أجل زجر الارتشاء بالعقوبة السجنية، حيث اكتفت العديد من الفرق البرلمانية باقتراح عقوبات مالية من خلال أداء الغرامات، ولا يمكن إلا أن يعتبر هذا إشارة خضراء تسمح للمرتشين بالاستمرار، فإذا كان المسؤول مرتشيا، واستطاع في خمس سنوات جمع 10 ملايين درهم رشوة وسيدفع للدولة غرامة مالية تناهز 10 أو 15 في المائة، فإن ما تبقى سيكون قد فاز به دون وجه حق وأمام أنظار القانون. طيب، ما الدور المنوط ب«ترنسبارنسي» المغرب في هذه الحالة، أي قبل المصادقة على هذا القانون؟» نحن راسلنا مجموعة من الفرق البرلمانية بهذا الخصوص، وطالبنا بضرورة إقرار عقوبة سجنية زجرية، كما طالبنا أيضا باسترجاع الأموال المنهوبة، وليس فقط العقوبة السجنية أو الغرامة المالية، وقد ذكرنا هذا في بلاغ سابق كنا قد وزعناه. رصدتم للمرة الأولى مؤشر الفساد المرتبط بالصفقات والمعلومات غير الاستراتيجية للجيش. لماذا وقع اختياركم على هذا القطاع المعروف بحساسيته؟ القطاعات جميعها في المغرب، دون استثناء، تعاني مشكل الارتشاء وعدم التدبير الجيد للموارد، وبالتالي، قدمنا هذه السنة ثلاثة مؤشرات لإعطاء نظرة شمولية عن مجموعة من القطاعات، ضمنها قطاع الدفاع، لأنه في السنوات السابقة لم نقدم هذا المؤشر، وقدمناه الآن لأن المجتمع المدني و«ترنسبارنسي»، على وجه الخصوص، كانت تقول دائما إ، قانون الحصول على المعلومة محدود جدا، لأنه يضم مجموعة من الموانع والاستثناءات، بينها تلك المتعلقة بوزارة الدفاع والأمن بشقيه، سواء الاستراتيجي المرتبط بالدفاع عن الوطن وأمن المواطنين، أو ما هو عادي روتيني مثل الصفقات المتعلقة بالمحروقات أو الألبسة أو التغذية أو المباني وغيرها. ونحن في خضم نقاش إحداث نموذج تنموي جديد، هل يمكن بناء هذا النموذج دون القضاء بشكل جذري على الفساد الذي ينخر مجموعة من القطاعات الحساسة، كما ذكرتكم في التقرير؟ محاربة الرشوة غير كافية وحدها لتأسيس نموذج تنموي شامل، فالرشوة التي تقدر ببلدنا بأكثر من 50 مليارا في السنة، وهذا رقم العمولات فقط وليس التبعات التي تكون أكثر بكثير، هي خطيرة وعائق من عوائق التنمية، ونحن في «ترنسبارنسي» نعتقد أنه لا يمكن أن يكون هناك نموذج تنموي دون أن يكون مؤطرا بإطار سياسي تسود فيه دولة الحق والقانون واستقلالية السلط، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ودون هذا الإطار السياسي الذي يؤطر النظام التنموي، سنكون في مرحلة «إهدار الوقت» فقط.