حكم غير مسبوق أصدرته المحكمة الإدارية بمراكش، مؤخرا، قضى بأداء المركز الاستشفائي الجامعي “محمد السادس” بالمدينة نفسها، تعويضا إجماليا قدره 100 ألف درهم (10 ملايين سنتيم) لفائدة والدي طفل توفي، بسبب عدم تقديم المساعدة الطبية اللازمة له داخل المستشفى المذكور. وسبق للمدعيين أن تقدما بمقال افتتاحي، بتاريخ 25 فبراير من السنة المنصرمة، لدى إدارية مراكش، يوضحان فيه بأن ابنهما أصيب بمرض عضال، استدعى عرضه على الطبيب المختص في جراحة الدماغ والأعصاب، المتتبع لحالته الصحية، بتاريخ 25 أكتوبر من 2017، والذي طلب إجراء تصوير إشعاعي تدخلي (سكانير) بالمستشفى الجامعي. وتشير الشكاية إلى أنه، تم تحديد 2 نونبر من السنة نفسها موعدا لإجراء التصوير الإشعاعي، غير أن الحالة الصحية للطفل تفاقمت قبل التاريخ المذكور، وهو ما دفع بوالديه إلى نقله، بتاريخ 28 أكتوبر من 2017، إلى قسم المستعجلات بمستشفى “ابن طفيل”، التابع للمركز الاستشفائي الجامعي، بعد أن أصيب بانتفاخ في رقبته، وعلى إثر معاينة من طرف طبيبه، أكد هذا الأخير لوالديه بأن الطفل يحتاج لتدخل جراحي عاجل، غير أن إدارة المستشفى فاجأت الطبيب ووالدة الطفل بعدم وجود أية أسرّة شاغرة رافضة استقباله وتقديم المساعدة الطبية إليه رغم تدهور حالته الصحية، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة وهو بين يدي والدته، التي أصيبت بانهيار عصبي خطير مازالت تعاني من تداعياته. وقد اعتبر المدعيان، ما تعرّض له ابنهما “إهمالا وتقصيرا من طرف إدارة المستشفى”، التي يقولان إنها لم تقدم المساعدة لشخص في خطر، وذلك بعدم توفيرها سريرا له وإجراء العملية الجراحية، وطالبا بالحكم لفائدتهما بتعويض قدره 50 ألف درهم لكل واحد منهما جبرا للضرر المادي والمعنوي، الذي لحق بهما، بسبب عدم تقديم المساعدة لابنهما الذي كان في حالة صحية متردية انتهت بوفاته. في المقابل، ردت إدارة المستشفى الجامعي في مذكرة جوابية، بتاريخ 22 ماي من السنة الماضية، بأن الطفل المتوفى كان يستفيد من خدمات مستشفى “ابن طفيل”، بشكل مستمر، على خلفية معاناته من مرض الصرع وارتفاع ضغط الدم. وأكدت المذكرة، أن مصالح المستشفى المذكور سبق لها أن استقبلت الطفل، وهو في حالة صحية متدهورة، وأجرت له فحوصات بالأشعة وتحاليل، غير أنه فارق الحياة خلال الشروع في إجراء العملية الجراحية، نافية حدوث أي تقصير أو خطأ طبي، كما نفت رفض تقديم العلاج إليه بسبب عدم الخصاص الحاد في أعداد الأسرّة. وقد تقدم المدعيان بمذكرة تعقيبية التمسا من خلالها إجراء بحث بمكتب القاضي المقرر للتأكد من الخطأ والتقصير من طرق الطبيب المعالج، وعدم تقديم المساعدة لشخص في خطر، وقد أجرت المحكمة العديد من جلسات البحث، كان آخرها بتاريخ 19 نونبر الفارط، حضرها الطرف المدعي وممثلة المدير العام للمستشفى الجامعي وكاتبه العام والممرض الرئيسي بقسم جراحة الرأس. كما تقدم المدعيان بمقال إصلاحي، بتاريخ 18 دجنبر الفائت، جاء فيها بأنه تبين على إثر البحث المجرى في الملف بأن الطبيب المعالج أعطى تعليماته لإيواء الطفل بالمستشفى وتوفير سرير خاص به، من أجل إجراء عملية جراحية، غير أن مصالح المستشفى لم تكترث لذلك وظلت تماطل إلى أن تدهورت حالته الصحية. من جهته، تقدم نائب مدير المستشفى الجامعي بمذكرة مستنتجات، ورد فيها بأن المستشفى لم يكن سببا رئيسيا في وفاة الضحية، بل وفر له العلاج والعناية الكاملة للمحافظة على حياته، رغم الإكراهات والضغوطات التي يعيشها هذا المرفق العمومي، الذي قالت المذكرة إن ساكنة الجنوب بكاملها ومراكش ونواحيها تتوافد عليه قصد العلاج، خالصة إلى أن “الدولة بدورها تتحمل المسؤولية لعدم توفير مستشفيات مجهزة لتخفيف العبء عنه”. أما الوكيل القضائي للمملكة، فقد أجاب بأن النزاع يبقى منحصرا بين المدعيين وإدارة المستشفى الجامعي، الذي يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، ملتمسا الحكم برفض الطلبات في مواجهة الأشخاص الذين ينوب عنهم. وقد عللت المحكمة الإدارية حكمها بأن الخطأ المرفقي الموجب للمسؤولية الإدارية يتجسد في إخلال الإدارة بالتزاماتها، وذلك إما بأدائها الخدمة المطلوبة على نحو سيئ أو عدم أدائها من الأصل أو البطء في أدائها أكثر من اللازم. وذكرت المحكمة بأن الحق في الصحة مضمون بمقتضى الفصل 31 من الدستور والمادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 7 من اتفاقية حقوق الطفل. وخلصت المحكمة، المؤلفة من محمد رافع رئيسا وعبد الله الناصري عضوا مقررا وحميد رشيدي عضوا ومولاي مصطفى ريكار مفوضا ملكيا وحفيظة لعكري كاتبة للضبط، إلى أن الخطأ المرفقي للمستشفى الجامعي ثابت في هذه القضية، من خلال إهماله وتقصيره في توفير العلاجات الضرورية للضحية، وإخلاله بتسيير المرفق الصحي على الوجه المطلوب، وعدم اتخاذه الإجراءات اللازمة والمستعجلة، بإيجاد مكان شاغر للتكفل بالطفل الضحية في أي جناح داخل المستشفى، فضلا عن إمكانية الاستعانة بخدمات أحد المستشفيات التابعة له.