تثير التغييرات الواسعة التي قام بها المدير العام الجديد لمنظمة “الإسيسكو”، بالرباط العديد من التساؤلات في أوساط المتتبعين لهذه المنظمة. إذ منذ تعيين السعودي سالم بنمحمد المالك، في مؤتمر استثنائي في جدة في يونيو 2019، مديرا عاما جديدا خلفا لعبدالعزيز بنعثمان التويجري، في سياق “غضبة” سعودية على هذا الأخير، الذي كان يُفترض أن تنتهي مهامه في 2121، أطلق المدير الجديد سلسلة من التغييرات التي أثارت جدلا. فقد تخلى عن العديد من الموظفين المغاربة، وشرع في تعيين مديرين تونسيين، وعددهم أربعة، وأحدث تغييرات في هيكلة المنظمة، وغير شعارها واسمها. فقد كانت تسمى “المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة”، فأصبحت “منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة”، وذلك لحساسية السلطات السعودية تجاه عبارة “إسلامية”. هذا القرار اعتمده المجلس التنفيذي الذي انعقد في يناير في أبوظبي، وبرره مدير المنظمة سالم بنمحمد المالك بأنه “يهدف إلى رفع الالتباس الشائع بشأن طبيعة مهامها غير الدعوية وفتح آفاق أوسع لحضورها على الصعيد الدولي”.. كما اتخذ المجلس قرارات أخرى تعد من صلاحية المؤتمر، ومنها تجميد خطة العمل الثلاثية التي اعتمدها المؤتمر العام للإسيسكو، وتعديل الميثاق والأنظمة. وفي هذا الصدد، يتساءل المتتبعون للمنظمة، عما إذا كان من صلاحية المجلس التنفيذي إحداث مثل هذه التغييرات، التي تعد من صلاحية المؤتمر العام؟ لكن مصادر أشارت إلى أن المؤتمر الاستثنائي الذي عقد في مكة في يونيو 2019، لم يكتف بتعيين مدير جديد خلفا للتويجري، علما أن هذا التعيين كان النقطة الوحيدة في جدول الأعمال، وإنما قام المؤتمر بتفويض صلاحياته للمجلس التنفيذي، ومدّد للمدير الجديد ولاية أخرى. المتتبعون يشككون، أيضا، في قانونية تغيير اسم المنظمة، لأن اسم “المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم” اختاره وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وهم من لهم صلاحية تغييره. كما أن تفويض صلاحيات المؤتمر للمجلس التنفيذي يثير أيضا تساؤلات قانونية. أما بخصوص التعيينات الجديدة، فلوحظ أن المدير الجديد لم يعين أي مدير مغربي في المناصب العليا، رغم أن المغرب هو بلد المقر. بل هناك توجه لتقليص حضور الموظفين المغاربة في المنظمة. ومن أبرز التعيينات الجديدة التي تستهدف تصفية “تركة التويجري”، تعيينه أحد الفلسطينيين كمدير للشؤون الإدارية، له علاقة عائلية مع وزير الثقافة الفلسطيني علي أبوزهري، الذي كان رئيسا للمؤتمر العام للإسيسكو في 2018، وهذا المنصب كان يشغله إطار مغربي. ولوحظ أن المدير العام الجديد لجأ إلى تعيين عدد من المديرين التونسيين، منهم مدير “مركز الاستشراف الاستراتيجي”، وهي مديرية لم تكن في الهيكلة القديمة. كما عين تونسيا آخر كمستشار قانوني للمدير العام، وبعد انعقاد المجلس التنفيذي في يناير عينه مديرا للشؤون القانونية، وهو أيضا منصب جديد في الهيكلة الجديدة. وعين تونسيا آخر، مديرا لمركز تعليم العربية لغير الناطقين بها، وهو أيضا منصب جديد. ويروج في كواليس المنظمة أنه يجري الاستعداد لتعيين وزير الثقافة التونسي السابق محمد زين العابدين مديرا للثقافة مكان المغربي نجيب الغياتي، وهذا الخبر نشرته مواقع تونسية، وإذا تأكد ذلك فستكون سابقة لأن المغرب كان يحظى دائما بمنصب إحدى المديريات الرئيسة في المنظمة منذ تأسيسها. ومع تعيين أربعة مديرين تونسيين، فإن ذلك يعني تهميش حقيقي للمسؤولين المغاربة، علما، تقول مصادرنا، إن المغرب ليس فقط، بلد المقر، وإنما يدفع مساهماته كاملة في المنظمة، وهي أكثر مما تدفعه تونس. فتعيين أربعة مديرين تونسيين في المنظمة، هو مسألة غير مسبوق في المنظمات الإقليمية. أما التعيينات الأخرى، فشملت تعيين السفير السوداني السابق بالرباط خالد فتح الرحمان، على رأس إدارة الثقافة، وتعيين سيدة سنغالية مديرة للعلوم الإنسانية والاجتماعية، وسيدة من بوركينافاسو، مديرة للتربية. كل هذه التعيينات جرت بدون إعلان شغور المنصب وبدون تلقي ترشيحات. وبخصوص ما راج في عدد من المواقع عن طرد الموظفين المغاربة، فإن القرار شمل جنسيات مختلفة، لكن معظمهم مغاربة، بحيث يصل عددهم إلى نحو 15 مغربيا، قضوا سنوات من العمل في الإسيسكو، قبل أن يتوصلوا بإخبار بالتخلي عنهم، “بدون مبرر”، ومعظمهم من الموظفين العاديين، وبعضهم لهم مسؤوليات متوسطة، لكن “أخبار اليوم” لم تتمكن من التحدث مع هؤلاء. كل هذه التغييرات التي حدثت تثير تساؤلات عن موقف الخارجية المغربية. فقد حظي المدير العام الجديد بتهنئة ملكية بعد تعيينه، كما جرى استقباله من طرف رئيس الحكومة ووزير الخارجية، فهل جرى التطرق معه إلى مناصب المسؤولية التي ستؤول إلى المغرب؟ وهل قدم وزير الخارجية كفاءات لتعيينها في الإسيسكو؟ كما أن عددا من سفارات الدول الأعضاء، حسب مصادر دبلوماسية، مهتمة بتتبع ما يجري في الإسيسكو بعد التخلي عن عدد من مواطنيها، مثل الأردن وأذربدجان وبنغلادش واليمن وغيرها.