الملا عبد السلام ضعيف، رجل من رجالات الصف الأول في أفغانستان، وأحد الذين شاركوا في المفاوضات التي أددت إلى نشوء حركة طالبان، كان صوتا إعلاميا للزعيم الروحي لهذه الحركة الملا محمد عمر. مذكرات كتبها ضعيف بيده، وقال فيها كل شيء، باح بما له وما عليه: نشأته ودراسته في المدارس الدينية، ودوره في صد الحرب السوفياتية على أفغانستان. كشف خفايا علاقته بطالبان ما خبره من مفاوضات سرية وعلنية، داخلية وخارجية، وأسرار تقلبه في المناصب المتعددة التي تبوأها ومنها نائبٌ لوزير الدفاع ونائبٌ لوزير المناجم والصناعة. هنا في هذه المذكرات المثيرة، سيكشف الملا ضعيف، عن طبيعة العلاقة مع الأميركيين، وما يدور في ميدان المعارك، وخلف الكواليس السياسيّة من صفقات وأسرار. دوره منذ أحداث 11 شتنبر التي قلبت حياته وحياة بلده، وبعدها، حين كان صلة الوصل الوحيدة بين أفغانستان والعالم. قبل أن يصبح السجين رقم 306، في سجن غوانتانامو. خلال فترة تولي منصب السفير في إسلام أباد طلب إلي مساعدة المواطنين الأفغان الذين يحتاجون الى علاج طبي في الخارج، عبر تزويدهم بتأشيرات الدخول. ومنهم ملاح السراج الدين القائد العسكري في وزارة الدفاع وكان في طريقه إلى ألمانيا. أقام في الدار الضيافة وبحوزته العشرة آلاف دولار المخصصة لرحلته وللعلاج الطبي. ويوم عزمي على ارتياد المسجد للصلاة ائتمن أحد المسؤولين الماليين في الدار على أمواله. وما إن غادر إلى المسجد المحلي للصلاة، حتى أتت الشرطة المحلية، التي كانت على علم بوصوله، بالمبلغ الذي يحمله، وأجبرته على ركوب السيارة، واختطفته. آنذاك، اتصل بي أعضاء حركة الطالبان الآخرون المقيمون في دار الضيافة، وأفادوني بأن مجموعة من الرجال يرتدون زي الشرطة انتظروه خارج المسجد وخطفوه. إثر ذلك اعتراني خوف من أن يتعرض للتعذيب أو القتل على أيديهم. فاتصلت على الفور بوزارتي الداخلية والخارجية. ولكنه ظهر قبل المباشرة بأي إجراءات. وكانت الشرطة قد فتشته وضايقته قبل أن ترميه خارج المدينة. مما لاشك فيه أن هذه مسألة إرهاب. لذلك حرصنا على متابعة التحقيق والتطورات في وزارتي الداخلية والخارجية. لكن الصحافة استغلت هذه الحادثة، واتهمت صحف كثيرة سراج الدين بالاعتداء على صبي باكستاني. عندما ارتفعت حدة هذه الاتهامات بات من الأفضل إسقاط القضية، بدلا من تسليط الضوء عليها والسعي إلى القبض على الخاطفين. وأكدت وزارة الداخلية والخارجية تقرير الشرطة، وسترت على رجال الشرطة. وبما أنهم لم يلاحقوا، فقد واصلوا، بالتالي، استهداف الأفغان. وفضلا عن ذلك قتل شاب كان في طريقه إلى ألمانيا. حيث استهدفته الشرطة وطاردته وهو على طريق المطار برفقة زوجته، تقلهما سيارة أجرة. لم نعرف بالتحديد ما بحوزته من مال، لكن زوجته كانت ترتدي مجوهرات باهظة الثمن. فلا بد أن رجال الشرطة قد لاحظوا الأساور والقلائد وقرروا سرقتها. فأوقفوا سيارة الأجرة، وأمروا السائق بالتوجه إلى سيارتهم. عندما ركب ضباط آخرون السيارة أدرك الشاب ما كان يحدث، وقفز من سيارة الشرطة المتحركة. فضرب رأسه، وأصيب بجروح بالغة. أما رجال الشرطة فاستولوا على المجوهرات من زوجته ولاذوا بالفرار. في الباكستان يتفق سائقو سيارات الأجرة مع الشرطة. فمتى علم السائق بأن مع الراكب مالا يتعمد المرور بنقطة تفتيش للشرطة، ويومئ إلى رجالها، الذين يقدمون على سرقة الراكب. عندما رأت المرأة زوجها ملقى على الأرض ينزف، صرخت من شدة اليأس إلى أن سمعها احد المارة واخذ زوجها إلى المستشفى حيث توفي متأثرا بجروحه. اتصلت امرأة بالسفارة. ونحن بدورنا قدمنا شكوى رسمية إلى وزارتي الداخلية والخارجية. جرى لبعض الوقت اعتقال رجال الشرطة المرتكبين، لكن سرعان ما أطلق سراحهم من دون عقوبات. كما أنهم لم يدفعوا أي فدية للمتضررين. لا تنفك مثل هذه الحوادث تتكرر في جميع أنحاء الباكستان. ففي مخيمات اللاجئين بين إسلام أباد وروالبندي، تنتظر الشرطة خارج المساجد أثناء وقت الصلاة، وتخطف كل من بدا عليه الثراء وتعتقله لأخذ فدية. لكن المشكلة لم تقتصر على رجال الأمن، بل تعدتها لتشمل التجار ورجال الأعمال الأفغان الذين كانوا يواجهون المتاعب. ولما كانت أفغانستان بلدا غير ساحلي، فإن وارداتها مجبرة على المرور بإيران والباكستان. وفي هذا السياق، تنص الاتفاقات الدولية على عدم إخضاع هذه الواردات للضريبة في بلدان العبور. ومع ذلك، فإن الباكستان خرجت عن القانون الدولي، وفرضت عقوبة على عشرات من البنود التجارية. وأوقفت السلع التجارية الأفغانية في ميناء الكراتشي حتى فقدت سلع كثيرة منها صلاحيتها، مما أسفر عن خسائر بالملايين. لكننا تمكنا من الحصول على بعض هذه السلع وإسقاطها من قائمة العقوبات، كالمواد الغذائية وغيرها. علما أن رجال الشرطة الباكستانيون يستخدمون هذه المكيدة ذريعة للحصول على الفدية. إن ما يفعلونه من تأخير واردات التجار الأفغان، وجعلها تخضع للقيود، والإفراج عنها بعد تلقي فديات من رجال الأعمال أصبح بمثابة عملهم اليومي. وتشكو الباكستان من أن السلع المستوردة لم تستهلك في أفغانستان، بل تهرب إلى الباكستان، من أن السلع التي تباع في السوق السوداء بدأت تؤثر في الصناعة الباكستانية. ولم يكد يخلو يوم من مثل هذه المشكلات. صحيح أنني تمكنت من حل بعضها إلا أن بعضها الآخر لازمني طوال فترة تولي منصب السفير.