الملا عبد السلام ضعيف، رجل من رجالات الصف الأول في أفغانستان، وأحد الذين شاركوا في المفاوضات التي أددت إلى نشوء حركة طالبان، كان صوتا إعلاميا للزعيم الروحي لهذه الحركة الملا محمد عمر. مذكرات كتبها ضعيف بيده، وقال فيها كل شيء، باح بما له وما عليه: نشأته ودراسته في المدارس الدينية، ودوره في صد الحرب السوفياتية على أفغانستان. كشف خفايا علاقته بطالبان ما خبره من مفاوضات سرية وعلنية، داخلية وخارجية، وأسرار تقلبه في المناصب المتعددة التي تبوأها ومنها نائبٌ لوزير الدفاع ونائبٌ لوزير المناجم والصناعة. هنا في هذه المذكرات المثيرة، سيكشف الملا ضعيف، عن طبيعة العلاقة مع الأميركيين، وما يدور في ميدان المعارك، وخلف الكواليس السياسيّة من صفقات وأسرار. دوره منذ أحداث 11 شتنبر التي قلبت حياته وحياة بلده، وبعدها، حين كان صلة الوصل الوحيدة بين أفغانستان والعالم. قبل أن يصبح السجين رقم 306، في سجن غوانتانامو. إعداد: عادل الكرموسي ألحت الولاياتالمتحدة على أفغانستان أن تسلم أسامة بن لادن وأن تنقله إلى دولة مستعدة لتسليمه. لكن حركة طالبان طالبت بمحكمة تحفظ كرامة ابن لادن. وسببت هذه المسالة تحديدا شرخا كبيرا بين البلدين، حتى أنني لساعات كثيرة ناقشت هذه القضية مع السفير في مكتبه بعد انتهاء ساعات العمل. توصلت إمارة أفغانستان الإسلامية إلى ثلاثة حلول، وشرحت له مطولا في تلك الليلة الحلول الآتية: أولا: إذا كانت الولاياتالمتحدة تجد أن أسامة بن لادن هو الذي يقف وراء التفجيرات في نيروبي وتانزانيا. فعليها أن تقدم الأدلة الداعمة لهذا الادعاء. وتعطي كل ما لديها من معلومات لمحكمة أفغانستان العليا، بذلك تخدع إمارة أفغانستان الإسلامية، أسامة بن لادن للمحكمة. وإن أقيم الدليل الكافي، فسوف تحكم عليه وتعاقبه بحسب الشريعة الإسلامية. ثانيا: إذا لم توافق الولاياتالمتحدة على الحل الأول. لأنها لا تعترف من الأساس بالإمارة الأفغانية الإسلامية أو لأنها لا تؤمن باستقلالية محكمة أفغانستان العليا وعدم انحيازها، تقترح أفغانستان أن تتشكل محكمة جديدة يترأسها مدعون عامون من ثلاث دول إسلامية، وتتم المحاكمة في دولة إسلامية رابعة. فتستطيع الولاياتالمتحدة إذا أن تقدم أدلتها إلى هذه المحكمة وترافع ضد أسامة بن لادن. ستكون أفغانستان شريكة للمحكمة وستحرص على حضور أسامة بن لادن للإجابة عن الأسئلة. وللرد على الادعاءات فان لم يستطع أسامة الدفاع عن نفسه، فيعد مذنبا ويعاقب على أعماله. ثالثا: إذا كانت الولاياتالمتحدة لا تثق بمحكمة تديرها ثلاث دول إسلامية، ولا تعترف بمحكمة أفغانستان العليا، فنحن سنضبط نشاطات أسامة كلها. وسنحجب عنه كل وسائل الاتصال. وستعمل أفغانستان على منعه من استخدام أراضيها لإجراء عملية تستهدف دول أخرى. رفضت الولاياتالمتحدة اقتراحاتنا الثلاثة، وأصرت على تسليم أسامة بن لادن من دون شروط. ووعدت بمحاكمته محاكمة عادلة ونزيهة تجري في أمريكا. ويحاسب فقط إن وجد مذنبا. لم يكن واردا عند أفغانستان أن تستجيب لطلب الولاياتالمتحدة. وقد شرحنا وبررنا موقفنا هذا على النحو الآتي: أولا: لا موجبات قانونية بين البلدين لجهة تبادل الأسرى. ولم يتم توقيع أي اتفاقية مشابهة بين الدولتين. ومن المتعارف عليه في حالات كهذه أن تتم محاكمة المتهم في البلد الذي يتم فيه إلقاء القبض عليه. لم تحترم الولاياتالمتحدة الاعتراف المتبادل بسيادة دولتينا وأصرت أن تحاكم بن لادن على أراضيها من دون التشاور مع اي دولة أخرى. لم تدرس حتى إمكانية إجراء المحاكمة في محكمة لاهاي الدولية. ولو جرى ذلك لاستحوذت المحاكمة على حد أدنى من الاستقلالية والنزاهة، ولشكلت مخرجا لائقا للازمة بين البلدين. عارضت الإمارة الإسلامية تسليم أسامة بن لادن لسببين أساسيين: أولهما أنها أن تسليم إي مشتبه به إلى أمريكا، سيمكنها بطبيعة الحال من فرض سيطرتها على هذا العالم، وهذا الأمر يهدد استقلال جميع الدول وسيادتها. وثانيهما أن طلب أمريكا هذا، ورفضها كل الاقتراحات التي قدمتها الإمارة يوحيان بأن لا عدالة في العالم الإسلامي وإن لا صفة شرعية للسلطات الإسلامية لفرض العدالة والقانون بين الشعوب. وهذا يعارض الإسلام نفسه ونظامه الساعي إلى حماية حقوق الناس ومعاقبة المجرمين. لم نتوصل إلى أي حد حل لهذه المعضلة، رغم اقتراحات حلول كثيرة نوقشت، لكنها لم تخرج إلى العلن. ومنها اقتراح إنشاء محكمة مشتركة تتمثل فيها أمريكا وبعض الدول الإسلامية. ومنها اقتراح آخر بإجراء المحاكمة في محكمة لاهاي الدولية. لم تتخذ هذه المحاولات القضائية منحى جديا في المناقشات، بالنظر إلى إصرار الولاياتالمتحدة على تسليم أسامة بن لادن لنظامها القضائي. وأوضحت أنها قد تلجأ إلى استخدام القوة إذا لم تتجاوب أفغانستان مع طلبها. قدمت كريستيناروكا، وزيرة شؤون غرب آسيا في الإدارة الأمريكية إلى إسلام آباد وطلبت مقابلتنا، فاجتمعنا في غشت في السفارة الأمريكية في إسلام آباد. عبرت المسؤولة عن اهتمام بالغ بأسامة بن لادن دون سواه، وضربت في حديثها بكل مبادئ الدبلوماسية، إذا عبرت كل كلمة تفوهت بها عن تهديد، أكان صريحا أم مبطنا. تحول الاجتماع صراعا خطابيا قاسيا. وقد اجتمعت أربع مرات بالسفير الأمريكي لمناقشة مسالة أسامه بن لادن من دون التوصل لحل. رغم أننا حاولنا تحسين العلاقات بين بلدنا ورغم العلاقة الشخصية الطيبة التي جمعتنا، فان لقاءاتنا لم تفض إلى نتيجة، ذلك أن اتخاذ القرار لم يكن بأيدينا، فقد ارتبطت اجتماعاتنا وقراراتنا وأجوبتنا كلها بأشخاص آخرين هم الذين يقررون لذلك، واتسمت كل أنشطتنا المذكورة السلبية.