حلقة اليوم السبت من برنامج "حكايات من زمن فات"، يعده "اليوم24″، عن أحد أشهر الشخصيات العظيمة، صاحب المواقف الصارمة التي حفظها التاريخ له، انه "بائع الملوك وسلطان العلماء" الامام العز بن عبد السلام. ولد الإمام العز بمدينة دمشق عام 577 هجري، وقيل إن أصوله مغربية وقد هاجر جده إلى الشام واستقر بها، وقد ولد لأسرة فقيرة مدقعة، حيث كان يساعد والده قبل أن يتوفى في الأعمال الشاقة كحمل الأمتعة، وبعد وفاته أصبح يعمل في نظافة المسجد وحراسة نعال المصلين، وكان يستمع خلسة إلى دروس العلم، حتى رآه أحد الشيوخ ويدعى الفخر ابن عساكر، وكان صاحب حلقة علمية، وكان يبكي لعدم تمكنه من الالتحاق بدروس العلم، فلم علم بأمره الشيخ ألحقه بدروسه على نفقته الخاصة ليبدأ بعدها رحلة العلم، ويُعجب الشيخ بذكائه فيقربه منه ويُعلمه، ويجتهد هو في تحصيل العلم حتى يُصبح من كبار علماء المذهب الشافعي، ودرس علم الحديث الشريف وغيره من العلوم الشرعية، ثم رحل إلى بغداد فحصل بعض العلم من شيوخها، وعاد إلى دمشق مرة أخرى بعد أن أصبح عالما متبحرا في العلوم الشرعية، فتولّى إماما الجامع الأموي الكبير، وتولى الإفتاء والقضاء والخطابة، وقد عُرف عنه انتقاده للحُكام حتى لُقب ب "سلطان العلماء"، ويُقال أن من سماه هكذا هو تلميذه "ابن دقيق العيد" ومن مواقفه العظيمة رحمة الله عليه، مواجهته للملك الصالح إسماعيل الأيوبي، حينما تحالف مع الصليبيين لقتال أخيه نجم الدين أيوب، وكان من شروط هذا التحالف أن يعطيهم مدينتي صيدا والشقيف، وأن يسمح لهم بشراء السلاح من دمشق، وأن يخرج معهم في جيش واحد لغزو مصر، فأفتى العز بحرمان السلاح للصليبيين، ثم صعد إلى المنبر وأعلنها صريحة بأن الملك خائن وأفتى بخلعه قائلاً "لا ولاية لخائن" ودعا عليه قائلاً "اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رَشَداً، تُعِزّ فيه وليَّك، وتُذِلُّ فيه عدوَّك، ويُعمَل فيه بطاعتك، ويُنهى فيه عن معصيتك». فأصدر الملك أمراً بعزله من الخطابة والإفتاء، وأمر باعتقاله، واعتقال الشيخ ابن الحاجب المالكي الذي شاركه في إنكار فعل السلطان، ثم أفرج عنهما، فغادر إلى مصر عن طريق القدس، وهو ما أثار غضب أهل دمشق، فبعث له الملك أحد وزراءه فلحقه في مدينة نابلس الفلسطينية، وطلب منه العودة إلى دمشق وأن يعود إلى منصبه ومكانته مقابل أن يعتذر للملك ويُقبل يده، فقال العز قولته الخالدة "والله يا مسكين ما أرضى أن يقبل السلطان يدي فضلاً عن أن أقبل يده" فاعتقله جنود السلطان، وظل في سجنه حتى جاءت جنود من مصر وخلصته من الاعتقال. وفي مصر يظل الإمام على ما هو عليه من قول الحق، وفي إحدى المرات يُشاهد الملك وهو سائر في عظمة وتفاخر بين جنوده وهو كامل في زينته، فيُناديه "يا أيوب، ما حجتك عند الله إذا قال لك: ألم أبوئ لك ملك مصر ثم تبيح الخمور؟ فقال السلطان: هل جرى هذا؟ فقال الشيخ: نعم، الحانة الفلانية تباع فيها الخمور وغيرها من المنكرات وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة، فرد عليه قائلاً: يا سيدي لم أفعل هذا، هذا من زمن أبي، فقال الإمام: أنت من الذين يقولون إنا وجدنا آباءنا على أمة؟ فأمر السلطان بإزالة تلك الحانة. وعندما سأله أحد تلاميذه عندما رجع من عند السلطان وقد شاع الخبر: "يا سيدي كيف قلت له ذاك؟ فقال: يا بني رأيته في تلك العظمة فأردتُ أن أهينه لئلا تكبر نفسه فتؤذيه، فقال تلميذه: يا سيدي أما خفته؟ فقال: والله يا بني استحضرت هيبة الله تعالى، فصار السلطان قُدامي كالقط". وفي حادثة أخطر، حيث كان بعض أمراء المماليك عبيد ملك للدولة، ثم تولوا مناصب كبيرة، فيفتي العز بأنهم لم يثبت أنهم أحرار ولازالوا عبيدا، وبالتالي لا تصلح ولايتهم ولا تقبل تصرفاتهم ويجب أن يُحرروا، إلا أن ذلك كان أمراً خطيرا، نظراً لتولي بعضهم مناصب هامة وكبيرة وكان أحدهم نائب السلطان، إلا أنه يُصمم على موقفه ويفتي بأن لا بيع ولا شراء ولا نكاح لهم، فغضبوا غضباً شديداً وارسلوا له يسألوه عما يُريد. فيقول "يجب أن نعقد لكم مجلسا وينادى عليكم لبيت مال المسلمين، ويحصل عتقكم بطريق شرعي"، ويطير الخبر للسلطان فيغضب غضباً شديداً ويُرسل إليه أن هذا ليس من شأنك، فيخرج العز من مصر قاصداً الشام ويلحق به عدد كبير جدا من الناس والعلماء والتجار، فيلحق به السلطان نفسه ويسترضيه ويُطيب خاطره، ثم عاد معه مُصمماً على بيع الأمراء، وهو ما أغضب نائب الملك وشرع في قتله حتى نظر إليه العز فوقع السيف من يد نائب الملك وصغر له، ثم تم ما أراد ونادى على الأمراء واحدا واحدا ورفع أثمانهم حتى يستفيد الفقراء من أموالهم، حتى أتم بيعهم وصرف الأموال في الخير وعلى المُحتاجين، ومن هنا أطلق عليه لقب "بائع الملوك". وفي حادثة أُخرى، أثناء صد هجمة التتار على العالم الإسلامي، يقف الإمام ويُفتي بأنه لا يجوز أن يفرض الملك ضريبة أو أن يأخذ من أحد أية أموال لتمويل الحرب ضد التتار إلا بعد أن تؤخذ أموال الملك والأمراء وبيت المال حتى يتساوى الأمير بالفقير، ثم بعدها يجوز للملك أن يفرض ضريبة على الجميع، ويُنفذ الملك رأي العز حتى أتم الله نصره على التتار في موقعة عين جالوت عام 658ه. وتوفى سُلطان العلماء وباع الأمراء في مصر سنة 660 ه، فرحمة الله عليه