المغرب وإسبانيا يفككان شبكة لنقل المخدرات عبر "درونات" محلية الصنع    مدرب مالي: حكيمي لاعب مؤثر وغيابه مؤسف للمغرب    توقيع اتفاقية شراكة بالرباط للنهوض بالثقافة الرقمية والألعاب الإلكترونية    الرباط.. إطلاق النسخة الثالثة من برنامج "الكنوز الحرفية المغربية"    عجز في الميزانية يقدر ب55,5 مليار درهم عند متم أكتوبر المنصرم (خزينة المملكة)    فاجعة خريبكة.. بطلة مغربية في رفع الأثقال بنادي أولمبيك خريبكة من بين الضحايا    المناظرة الوطنية للتخييم تبحث سبل تجديد الرؤية الإستراتيجية للبرنامج الوطني إلى 2030    عروشي: طلبة 46 دولة إفريقية يستفيدون من منح "التعاون الدولي" بالمغرب    مونديال لأقل من 17 سنة.. المنتخب المغربي يخوض حصة تدريبية جديدة استعدادًا لمواجهة أمريكا    تبون يوافق على الإفراج عن صنصال    رئيس برشلونة يقفل الباب أمام ميسي    أمطار رعدية وثلوج ورياح قوية مرتقبة بعدة مناطق بالمملكة غداً الخميس    رياح قوية وزخات رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    مجلس النواب يعقد جلسات عمومية يومي الخميس والجمعة للدراسة والتصويت على مشروع قانون المالية لسنة 2026    الاسبانيّ-الكطلانيّ إدوَاردُو ميندُوثا يحصد جائزة"أميرة أستورياس"    مسارات متقاطعة يوحدها حلم الكتابة    في معرض يعتبر ذاكرة بصرية لتاريخ الجائزة : كتاب مغاربة يؤكدون حضورهم في المشهد الثقافي العربي    على هامش فوزه بجائزة سلطان العويس الثقافية في صنف النقد .. الناقد المغربي حميد لحميداني: الأدب جزء من أحلام اليقظة نعزز به وجودنا    أمينوكس يستعد لإطلاق ألبومه الجديد "AURA "    وزير الفلاحة يدشن مشروع غرس الصبار بجماعة بولعوان بإقليم الجديدة    عمالة المضيق الفنيدق تطلق الرؤية التنموية الجديدة. و اجتماع مرتيل يجسد الإنتقال إلى "المقاربة المندمجة"    مصرع 42 مهاجرا قبالة سواحل ليبيا    أربعة منتخبات إفريقية تتصارع في الرباط على بطاقة المونديال الأخيرة    "الكان" .. "دانون" تطلق الجائزة الذهبية    منظمة حقوقية: مشروع قانون المالية لا يعالج إشكالية البطالة ومعيقات الولوج للخدمات الأساسية مستمرة    ترامب يطلب رسميا من الرئيس الإسرائيلي العفو عن نتنياهو    مؤسسة منتدى أصيلة تفوز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والاداب في مجال المؤسسات الثقافية الخاصة    لجنة المالية في مجلس النواب تصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026    استبعاد يامال من قائمة المنتخب الإسباني    اختلاس أموال عمومية يورط 17 شخصا من بينهم موظفون عموميون    مباريات الدور ال32 ب"مونديال" الناشئين في قطر    وكالة الطاقة الدولية تتوقع استقرارا محتملا في الطلب على النفط "بحدود 2030"    "الماط" يستغل تعثر شباب المحمدية أمام اتحاد أبي الجعد ويزاحمه في الصدارة    مستشارو جاللة الملك يجتمعون بزعماء األحزاب الوطنية في شأن تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي في األقاليم الجنوبية    السعودية تحدد مواعيد نهائية لتعاقدات الحج ولا تأشيرات بعد شوال وبطاقة "نسك" شرط لدخول الحرم    حجز آلاف الأقراص المهلوسة في سلا    إسبانيا تقلد عبد اللطيف حموشي بأرفع وسام اعترافًا بدور المغرب في مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني    ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق العالمية    الأمم المتحدة: الطلب على التكييف سيتضاعف 3 مرات بحلول 2050    الغابون تحكم غيابيا على زوجة الرئيس المعزول علي بونغو وابنه بالسجن بتهم الاختلاس    إسرائيل تفتح معبر زيكيم شمال غزة    تقرير دولي: تقدم مغربي في مكافحة الجريمة المنظمة وغسل الأموال    فيدرالية اليسار الديمقراطي تؤكد تمسكها بالإصلاحات الديمقراطية وترفض العودة إلى الوراء في ملف الحكم الذاتي    ليلة الذبح العظيم..    المعهد الملكي الإسباني: المغرب يحسم معركة الصحراء سياسياً ودبلوماسيا    تنصيب عبد العزيز زروالي عاملا على إقليم سيدي قاسم في حفل رسمي    "جيروزاليم بوست": الاعتراف الأممي بسيادة المغرب على الصحراء يُضعِف الجزائر ويعزّز مصالح إسرائيل في المنطقة    برادة يدعو الآباء والأمهات إلى مساندة المؤسسات التعليمية بالمواكبة المنزلية    "رقصة السالسا الجالسة": الحركة المعجزة التي تساعد في تخفيف آلام الظهر    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق.. خبايا الصراع حول عقار المحمدية
نشر في اليوم 24 يوم 07 - 10 - 2017

قضية كبيرة تلك التي وصلت إلى المحاكم أطرافها عامل عمالة المحمدية علي سالم الشكاف، وشركة عقار تملكها عائلة آيت منا، ورئيس المجلس الجماعي لمدينة المحمدية مصطفى عنترة (حزب العدالة والتنمية).
في وقائع القضية، فإن شركة تدعى نسيم الفلاح، يملكها كل من جمال آيت منا، وشقيقه نور الدين، شيدت تجزئة كبيرة على مساحة 18 هكتارا، لكنها عجزت لفترة طويلة عن الحصول على شهادة التسليم المؤقت لأشغال التجهيز، وهي الوثيقة الضرورية للشروع في الاستغلال التجاري للمشروع، ثم نجحت في تسلمها عقب صدور حكم قضائي ضد رئيس المجلس الجماعي لمدينة المحمدية، وشرعت في بيع جميع البقع التي يصل عددها إلى 460 بقعة ستخصص لبناء 3 آلاف من الشقق الصغيرة الحجم. لكنها ستلقى عقبة جديدة، فالسلطات رفضت تسليم أي رخصة للبناء لصالح المشترين، وعادت بالقضية إلى ما قبل تسلم شركة العقار لشهادة التسليم المؤقت للأشغال.
في هذا التلخيص المبسط للوقائع، تنتصب حجة السلطات في أن شركة العقار تلك ليست لديها التراخيص الضرورية لتشييد التجزئة، كما لم تراع التعديلات التي أدرجها تصميم التهيئة على مساحات العقار. ومثل ما يحدث غالبا في مثل هذه المواجهات بين السلطات وشركات العقار الكبيرة، فقد نُفض الغبار عن ملف شركة عبارة عن مختبر هندسي، مقرها بمدينة المحمدية، ويوجد عامل المحمدية نفسه في قائمة أصحابها. وبهذه الطريقة، تحولت القضية من نزاع قضائي حول طرق تفسير القانون، إلى حملة لتقويض مصداقية السلطات نفسها.
خرائط غوغل ومحاضر التوثيق
لقضية الشكاف ضد آيت منا جذور بعيدة، وبالضبط في يوليوز 2002، وحينها لم يكن الشكاف عاملا، عندما منحت بلدية المحمدية رخصة لشركة نسيم الفلاح التي تملكها عائلة آيت منا، ويسيرها في الوقت الحالي جمال آيت منا، لإحداث تجزئة عقارية. "تسلمنا الرخصة، وسلمنا قطعا من العقار لمصالح رسمية لإنشاء مرافق عمومية وفق اشتراطات لجنة الرخص الاستثنائية، بلغت مساحتها 4 هكتارات"، كما يقول جمال آيت منا، صاحب شركة نسيم الفلاح ل"أخبار اليوم".
وبالفعل، قامت الشركة بتفويت أربع قطع أرضية مخصصة لمرافق عمومية، اثنتان مساحتهما معا حوالي 12 ألف متر مربع بالمجان، واثنتان بأثمان رمزية: قطعة مساحتها 7008 متر مربع بثمن 350 درهما للمتر مربع، وأخرى مساحتها 19300 متر مربع ب200 درهم للمتر مربع.
وفي مارس 2005، شرعت الشركة في أعمال تشييد التجزئة، وفقا لشهادة سُلمت لها من لدن جماعة المحمدية. وتاريخ الشروع في الورش شيء جوهري في القضية كلها. آيت منا يقول لنا "إن لجنة من الجماعة راقبت ووثقت لافتتاح الورش في مارس 2005″، لكن السلطات لا تقبل ذلك. أجرت "أخبار اليوم" مقابلات مع مسؤولين في عمالة المحمدية بخصوص هذه القضية، وموقفهم لا يتزحزح من القول "إن الشركة لم تنجز أي أشغال في التجزئة موضوع الرخصة لمدة ثلاث سنوات تلت ذلك". وتتأسس دعوى السلطات كلها على هذه السنوات الثلاث. لماذا؟ لأن المادة 11 من القانون المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات تحدد آجال تنفيذ أشغال التجزئة موضوع رخصة مسلمة في ثلاث سنوات، وإذا لم يُحترم هذا الأجل يصبح الترخيص بالتجزئة لاغيا.
وإذا كانت شركة العقار تتمسك بأن أشغال التنفيذ بدأت قبل مضي هذا الأجل، فإن عمالة المحمدية قالت إن "الصور الملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية لذلك العقار في تلك السنوات تظهر عدم وجود أي أشغال كيفما كانت". وتستند السلطات في إثبات ذلك على خرائط "غوغل"، فهي بالنسبة إليها، دليل لا يمكن فبركته من لدن شركة عقار. ناهيك عن عدم وجود أي شهادة رسمية صادرة عن السلطات الرسمية تؤكد أن ورشا للأشغال بوشر في التجزئة خلال تلك السنوات الثلاث الأولى: "ليست لدينا نحن على الأقل أي وثيقة من هذا القبيل"، كما تؤكد لنا مصالح عمالة المحمدية.
جمال آيت منا، مسير شركة العقار، أوضح أن رواية السلطات بشأن تاريخ الشروع في أشغال إحداث التجزئة "تنقصها الدقة والحجة"، وقال: "إن العامل لم يقدم أي دليل على أن الأشغال لم تباشر في تلك السنوات الثلاث الأولى التي تبعت تسلم الشركة لرخصة إحداث التجزئة.. إن لدينا محاضر للجان التي راقبت تطور الأشغال في تلك السنوات، وكلها تؤكد بأن الأعمال تُنفذ بالفعل". ثم يستدرك مجيبا عن حجة السلطات: "إن العامل يقول إن لديه صورا ملتقطة عبر القمر الاصطناعي عثر عليها في موقع "غوغل" تبين له بأن العقار المعني لم تكن به أشغال في تلك الفترة، وهذه ليست حجة، لأن "غوغل" يقوم بتحديث خرائطه المصورة عبر الأقمار الاصطناعية بفترات تتراوح بين عام وعامين حتى ثلاث سنوات أو أكثر".
وكيفما كان الحال، فإن شركة العقار شيدت التجزئة في نهاية المطاف وأنهت أشغالها في مارس 2014، رغم أن السلطات ترى أن شركة نسيم الفلاح، "عملت بعد مضي تلك السنوات الثلاث، بل وبعد فوات سنوات أخرى إضافية، على فرض الأمر الواقع، وأنجزت التجزئة كتحدي منها للإدارة"، وفقا للعبارة المتضمنة في مقال دعوى قضائية قدمها عامل المحمدية ضد رئيس المجلس البلدي. لكن تشييد التجزئة شيء، بينما استغلالها شيء آخر، لاسيما إن كان يتوقف على سلطات شديدة التدقيق على ما يبدو.
حروب في عامين
تقدمت عملاق العقار في المحمدية وضواحيها بطلب للحصول على التسليم المؤقت لأشغال التجهيز، كي تشرع في بيع البقع، لكن عمالة المحمدية رفضت الموافقة على ذلك. "كان ممثل السلطات وحده الذي اعترض على منح التسليم المؤقت لنا". في محضر التسليم المؤقت الذي أنجزته لجنة مختصة يوم 21 أبريل 2014، يلاحظ أن ممثل عمالة المحمدية وضع عبارة A surseoir، ومعناها الحرفي تأجيل البت حتى تعميق دراسة الملف. لكن يظهر أن ممثل جماعة المحمدية هو أيضا كتب الملاحظة نفسها في المحضر. لكن الجماعة ستغير موقفها، وستضيف موافقتها على التسليم المؤقت للأشغال لاحقا يوم 5 غشت 2014 إلى المحضر.
وتطعن عمالة المحمدية في محضر التسليم هذا، وفي الدعوى المرفوعة ضد رئيس المجلس البلدي، نقرأ أن اللجنة التي اجتمعت يوم 21 أبريل 2014، "لم تعط موافقتها أصلا للتسليم المؤقت"، لأن مشروع تلك التجزئة "كان من بين المشاريع التي لم تؤخذ بعين الاعتبار من طرف اللجنة المركزية التي عقدت يوم 9 ماي 2013، بخصوص تصميم تهيئة جماعة المحمدية، والذي خصص جزء مهما من الوعاء العقاري لهذه التجزئة لعدة مرافق عمومية ومساحات خضراء على حساب بقع أرضية".
لكن محضر اجتماع اللجنة المركزية المكلفة بدراسة ملاحظات العموم ومقترحات المجلس بشأن تصميم التهيئة، يبين كما اطلعت عليه "أخبار اليوم"، أن اللجنة وافقت على التعرض الذي تقدمت به شركة العقار ضد تخصيص عقارات إضافية من التجزئة لإنشاء مرافق عمومية. لكن السلطات ترد بأن تصميم التهيئة المنشور لا يتضمن أي تعديل يشير إلى الموافقة على التعرض المقدم، كما أن "القرار الذي اتخذ بالإجماع كان يهم التجزئات المرخص لها وفق ما تم الترخيص به وتسلم أشغال التجهيز بها، والتجزئة المعنية لا تندرج في هذا الباب، ناهيك عن مشكلة التسلم المؤقت لأشغال التجهيز".
وتتعمق مشكلة محضر التسلم المؤقت للأشغال أكثر، لأن حتى الموافقة التي منحتها الوكالة الحضرية للدار البيضاء الكبرى لصالح التسلم المؤقت، وهي الحجة التي استخدمتها جماعة المحمدية لتغيير موقفها في الملف، ستتبدل أيضا. في رسالة تحمل رقم 5707، أرسلها المدير العام للوكالة الحضرية بالدار البيضاء الكبرى في 5 يوليوز 2017، إلى عمالة المحمدية، واطلعت "أخبار اليوم" عليها، نقرأ أن "الإذن في القيام بالتجزئة المعنية كان قد سقط بحكم القانون نظرا لانقضاء أجل ثلاث سنوات ابتداء من تاريخ الترخيص دون انطلاق أشغال تهيئة المشروع وفقا للمادة 11 من القانون المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات العقارية وتقسيم العقارات".
لكن قبل أن تغير الوكالة الحضرية موقفها، كان على شركة العقار المعنية أن تصبر لعامين كاملين كي تحصل على شهادة السلم المؤقت للأشغال، فرئيس المجلس الجماعي في 2014، محمد مفضل، لم يمنح للشركة تلك الشهادة المطلوبة، فيما بقي خلفه، حسن عنترة، يمهل نفسه عاما كاملا من التفكير. بعد شهر من توليه منصب رئيس جماعة المحمدية، بعث عنترة برسالة يوم 16 أكتوبر من عام 2015، إلى عامل عمالة المحمدية يستفسر عما إن كانت أشغال التجهيز المنجزة في التجزئة مطابقة لدفتر التحملات وتصميم التهيئة، بعدما لاحظ أن ممثل العمالة وحده "من لم يبد برأي نهائي وواضح". وفي 23 دجنبر من العام نفسه، بعث برسالة تذكير، لكن السلطات لم ترد عليهما معا. ومع ذلك، فقد كان رئيس جماعة المحمدية مقتنعا بأن موافقة السلطات أمر ضروري لحصول شركة العقار على التسلم المؤقت للأشغال. في رسالة بعث بها إلى محامي الشركة في يناير 2016، نقرأ: "إن التسلم المؤقت لأشغال التجهيز يبقى رهينا بموافقة العمالة". وفي 16 شتنبر من العام نفسه، بعث بجواب مماثل إلى العامل: "إن التسلم المؤقت يبقى رهينا بموافقة ممثلكم".
بيد أن رئيس المجلس الجماعي كان يبدو قد مل من الانتظار، فقد شرع قبل ذلك في طلب الاستشارة بخصوص كيفية معالجة عدم موافقة السلطات في هذه القضية. في رسالة وجهها إلى المفتش الجهوي للتعمير بالدار البيضاء، في ماي 2016، طلب استشارة قانونية حول تسلم أشغال التجزئة. ولاحقا، أجابت مديرية التعمير بوزارة التعمير وإعداد التراب الوطني، على الرسالة التي أحالها المفتش الجهوي عليها. العبارة الذهبية في جواب مديرية التعمير كانت هي هذه: "يعتبر الرأي المبدى من طرف ممثل مصالح العمالة غير ذي سند قانوني".
لكن رئيس جماعة المحمدية لم يفعل شيئا رغم ذلك، بل بعث برسالته في 16 شتنبر التي تطمئن العامل على أنه لن يتسلم أشغال التجهيز دون موافقة ممثله. وفي ذلك الوقت كانت شركة العقار قد رفعت دعوى قضائية ضده في 2 شتنبر من العام نفسه. وطالبت بإلغاء قرار الرفض الضمني لرئيس الجماعة بعدما منحها محضر التسلم المؤقت لأشغال التجهيز، فقد رأت أن مدة عامين من الصبر "كانت كافية بعد سلسلة من الإنذارات التي بعث بها محاميها إليه كي يحسم قراره"، كما قال لنا مسير الشركة. وبعد شهرين، أي في 9 نونبر، أصدرت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء حكما بإلغاء قرار الرفض الضمني لرئيس الجماعة، و"ترتيب كافة الآثار القانونية على ذلك"، كما ورد في منطوق الحكم. وكسبت شركة العقار بذلك الدعوى، وبشكل سريع، وافقت الجماعة على التسلم المؤقت لأشغال تجهيز التجزئة في 24 من الشهر نفسه، أي بعد مضي 15 يوما فقط من صدور الحكم، ووقع محضر التسلم رحيم عباسي، نائب رئيس المجلس الجماعي المفوض له في قطاع التعمير، ولم تكن قد مضت سوى حوالي 20 يوما على حصوله على هذا التفويض، علما بأن عباسي كان يدير أجزاء من أعمال عائلة آيت منا فيما مضى. "كان علينا أن نمنح المحضر لشركة العقار. إننا لم نعترض على منحه قبل ذلك، ويوجد بين أيدينا الآن حكم قضائي يجب تنفيذه"، كما قال عباسي ل"أخبار اليوم".
معضلة الحكم الذي لم يستأنف!
طرح الحكم الصادر ابتدائيا عن المحكمة الإدارية ضد المجلس الجماعي مشكلة أخرى؛ فهذا حكم لم يعثر على من يرغب في استئنافه. جماعة المحمدية فسرت عدم قيامها باستئناف الحكم الابتدائي في رسالة كتبها عباسي نفسه إلى عامل الإقليم في 26 يونيو الفائت، بأن جماعته "وافقت على طلب الشركة في اجتماع اللجنة المختصة في 21 أبريل 2014″، وليست هناك مصلحة في أن تستأنف حكما لا يتعارض مع رأيها بشأن القضية. لكن السلطات تقول ل"أخبار اليوم" إن هذه "مبررات غير مقنعة"، لأن عدم قيام رئيس الجماعة بالاستئناف "أضر بمصالح الجماعة نفسها والإدارة، وليست هناك أي مصلحة في السماح بتشييد مبان في عقارات مخصصة لمساحات خضراء مثلا".
لكن النائب عباسي يقول لنا "إن الجماعة ليس في مصلحتها أن تستأنف حكما لا يعاكس مصالحها. إننا نتوقع موارد تبلغ الملايير ستدر على خزينة فارغة في الوقت الحالي لجماعة المحمدية. وإذا كانت السلطات ترى أن الأمر ليس كذلك، كان عليها هي نفسها أن تستأنف الحكم لأنها كانت طرفا في الدعوى التي رفعت ضدنا، وقد أخبرت العامل بهذا كتابة".
في نص الحكم الصادر ضد رئيس الجماعة، نقرأ أن عامل عمالة المحمدية "أدلى بمذكرة جوابية يؤكد فيها أن لا يد له في رفض القرار المطعون فيه (من لدن شركة العقار)، وأن رئيس المجلس البلدي لمدينة المحمدية هو المعني به قانونا والتمس الحكم بإخراج عمالة المحمدية من الدعوى". بيد أن سلطات العمالة توضح لنا أن الدعوى رفعت ضد رئيس المجلس الجماعي، وهو من لديه الصفة لاستئناف الحكم، بينما كان دور العمالة "استشاريا فقط" في مسطرة محضر التسلم المؤقت للأشغال، و"ليست هي من تقرر في ذلك". وتلاحظ السلطات أن طريقة تنفيذ الحكم بدورها "كانت معيبة".
وفي هذه النقطة بالضبط، حدث خلاف آخر بين السلطات ورئيس جماعة المحمدية، فالسلطات تفسر منطوق الحكم بأنه لا يعفي من وجوب استدعاء لجنة التسليم المؤقت لأشغال التجزئة مرة جديدة، ومناقشة طلب الشركة، وأخذ موافقة أعضاء اللجنة كلهم قبل تمكين الشركة من شهادة التسليم النهائي. كما أن التنفيذ "يكون على أساس إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل صدور قرار رئيس المجلس الجماعي، وهو ما لم يتم". لكن عباسي يعتقد بأن هذا التفسير "مجرد مضيعة للوقت" بالنسبة إلى جماعته، ويقول: "الحكم كان واضحا، ونحن رتبنا الآثار القانونية التي طالبت المحكمة بالقيام بها، ولو كنت مخطئا لما لجأ العامل إلى المحكمة، بل كان سيعمد إلى إقالتي من منصبي على الفور".
في 25 من هذا الشهر، ستحسم المحكمة الإدارية في الدعوى التي رفعها العامل لإلغاء قرار رئيس المجلس الجماعي بمنح شركة آيت منا محضر التسلم المؤقت للأشغال. وإذا رفضت المحكمة هذه الدعوى، فإن القضية كلها ستُعتبر منتهية، لكن إن وافقت على مطالب السلطات، فإن المشكلة ستتحول إلى كابوس لمالكي التجزئة، ولمقتني البقع من المستثمرين الصغار الذين سيحرمون من رخص البناء، وأيضا للمجلس الجماعي الذي وضع نفسه في مواجهة السلطات.
مختبر العامل الذي ظهر بغتة في المحمدية
الموقف المتصلب للسلطات كما تنظر إليه شركة العقار، ينطوي بحسبها على "مشكلة شخصية" بين عامل عمالة المحمدية ومالكي العقار وفقا لما قال نور الدين آيت منا في مقابلة مع "أخبار اليوم" بمقر شركته. مسير الشركة، جمال آيت منا، يتصور أن هناك صلة بين هذا الأمر وبين وجود مختبر للهندسة المدنية يملك فيه العامل نفسه ثلث الأسهم. المكتب اسمه S2G، أسسه علي الشكاف بمعية مهندسين آخرين عام 2001، ويوجد مقره في مدينة المحمدية، وهو متخصص في التحليل المخبري لمواد البناء. ووفقا لما قال آيت منا، فإن عامل المحمدية "يملك 39 في المائة من أسهم هذا المكتب، وأتخيل أن سبب وقوفه ضد منحي محضر التسلم المؤقت للأشغال هو أن شركتي لم تمنح لمكتبه هذا أعمالا كثيرة". وبالفعل، يملك العامل حصة في هذا المكتب الذي يملك أغلبية الأسهم شريكه المسمى الطيب القاريدي، ولكن شركة نسيم الفلاح نفسها كانت من زبائن مكتب الدراسات الهندسية هذا نفسه، وفي أعمال تتعلق بالتجزئة نفسها موضوع النزاع الحالي.
"نعم، لقد قامت هذه الشركة بأعمال لصالح شركتي منذ شتنبر 2013 حتى مارس 2014، وأديت ست فواتير لصالحها". لكن علي سالم الشكاف لم يعين عاملا على المحمدية إلا في 22 يناير 2014. ويضيف آيت منا تدقيقا آخر: "لم يطلب مني العامل بتاتا أن أمنح مختبره هذا أعمالا، وأنا منحت له تلك الأعمال دون أن أعرف أن العامل شريك فيه أو يملك حصة معتبرة في رأسماله".
لكن آيت منا، كما يدعي، شعر بأن توقفه عن منح ذاك المختبر أعمالا أخرى هو ما تسبب له في هذه المشاكل: "لقد بحثت في الأمر، وأخبرني أصدقائي الذين يعملون في العقار أنني ربما لو أمنح أعمالا جديدة لهذا المختبر، فهو قد يسهل علي المأمورية في الكثير من المساطر". ولذلك قرر أن يضع شكوى ضده لدى المفتش العام لوزارة الداخلية، كما قدم شكوى ثانية من أجل الشطط في استعمال السلطة والتمييز إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء.
في مقابلة مع علي سالم الشكاف، عامل عمالة المحمدية في مكتبه، قال ل"أخبار اليوم"، "إن المختبر لا يستفيد من أي شيء منذ تعييني عاملا على المحمدية حيث يوجد مقره الرئيس"، موضحا أن أول ما قام به بعد تعيينه هو أنه جمع رؤساء الأقسام و"أخبرتهم بوجود شركة عبارة عن مختبر هندسي أوجد فيها كشريك، وحرصت على تنبيههم بأن هذا المختبر لا يجب أن يحصل على أي صفقة عمومية بأي طريقة كيفما كانت".
وبحسب ما قال الطيب القاريدي، الرئيس المدير العام للشركة في مقابلة مع "أخبار اليوم"، "فإن المختبر أبعد نفسه عن الصفقات العمومية في عمالة المحمدية كليا، بل وانسحب حتى من الصفقات التي كان ينجزها عن طريق المناولة لصالح شركات أخرى فازت بصفقات عمومية من عمالة المحمدية قبل تولي الشكاف لمنصبه".
ويؤكد الشكاف نفسه أن المختبر كان يعمل على تنفيذ صفقة بالمحمدية حصل عليها قبل توليه لمنصبه، و"قد طلبت منهم الانسحاب وقد فعلوا ذلك"، مشيرا إلى أن منصبه "كلف المختبر الذي لا يشغل فيه أي منصب تسيير، أضرارا كثيرة". ولا يرى الشكاف وجود أي تعارض بين منصبه مع القانون، لأني "قادم من القطاع الخاص، ولا يطبق علي قانون موظفي السلطة (الذي يفرض على رجال السلطة عدم القيام بأي عمل ربحي خارج وظيفتهم)، إلا فيما يتعلق بتعارض المصالح، وأنا لست في هذه الوضعية بتاتا".
رئيس الشركة أوضح أن المختبر أنجز أعمالا بطلب من نور الدين آيت منا في التجزئة المعنية بالنزاع الآن، و"بالكاد وصلت قيمة الفواتير إلى 40 ألف درهم، حيث كان مطلوبا منا أن نقوم بفحوصات مضادة لأعمال أجراها مختبر آخر كان مكلفا من مقاول ينجز التجزئة". ويضيف: "لم يسبق أن اتصلت بواحد من عائلة آيت منا طلبا لأعمال إضافية، لأن طريقتنا في العمل لا تسير على هذا الشكل".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.