مرت أكثر من سنة على مصادقة الحكومة السابقة على مشروع القانون التنظيمي للإضراب، وإحالته على مجلس النواب، دون أن يشرع الأخير في مناقشته لحد الآن، وذلك بسبب تحفظ النقابات. لجنة القطاعات الاجتماعية بالمجلس تستعد لطرح المشروع لمسطرة المصادقة، في وقت تطالب النقابات بسحبه وإخضاعه للحوار الاجتماعي التوافقي. مصدر كشف أن الحكومة، وباتفاق مع أغلبيتها في البرلمان، فضلت "تأجيل" المصادقة على قانون الإضراب في البرلمان حتى لا تثار ضجة تؤدي إلى عرقلة نصين مهمين يتعلقان بالتقاعد والتغطية الصحية للمستقلين، وهما النصان اللذان انتهت مسطرة المصادقة عليهما. ومؤخرا أبلغ محمد يتيم، وزير الشغل، أعضاء لجنة القطاعات الاجتماعية، بأنه يعتزم الحضور للجنة لتقديم مشروع قانون الإضراب بعد الدخول في حوار اجتماعي مع النقابات المتمسكة بسحبه. النقابات انتقدت تسرع حكومة بنكيران السابقة في إخراجه قبل التوافق حوله، لكن الأخيرة ردت بأنها كانت ملزمة بإخراجه قبل نهاية ولايتها. عبدالحق حيسان، برلماني الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، قال ل"أخبار اليوم"، إن العادة جارت بخصوص القوانين ذات الصبغة الاجتماعية "أن يتم التوافق حولها" قبل إحالتها على البرلمان مثل ما حدث في مدونة الشغل، مشددا على أن بإمكان الحكومة سحب النص من أجل إخضاعه للحوار. الحكومة لجأت إلى إحالة مشروع قانون الإضراب على مجلس النواب أولا، قبل مجلس المستشارين، رغم الطابع الاجتماعي للنص، وذلك مخافة "احتجاز" المشروع بالغرفة الثانية، مثلما وقع ل"مدونة التعاضد"، التي أغضبت النقابات فتركتها في رفوف الغرفة الثانية. وبالعودة إلى أول مشروع قانون تنظيمي للإضراب، المثير للجدل، فإنه يضع شروطا عدة لممارسة هذا الحق، بحيث لا يمكن ممارسته إلا بعد الالتزام بمجموعة من التدابير أبرزها: مرور 30 يوما على توصل المشغل بالملف المطلبي، وحصول مفاوضات حول هذا الملف، وإذا لم تحصل يجب بذل "المساعي اللازمة لإجراء محاولة الصلح"، وإذا فشل ذلك كله يمكن للنقابة خوض الإضراب وفق شروط. المشروع ينص من جهة أخرى على منع "عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب"، وهي مسألة تثير توجس النقابات، ويقصد بالعرقلة "كل فعل يؤدي أو قد يؤدي إلى منع الأجير غير المضرب أو المشغل من ولوج أماكن العمل أو القيام بمزاولة نشاطه المهني بواسطة الإيذاء أو العنف أو التهديد أو احتلال أماكن العمل، أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها. وتصل العقوبة في هذه الحالة إلى الغرامة ما بين 5 آلاف و10 آلاف درهم "دون الإخلال بالعقوبات الجنائية الأشد". كما نص المشروع على الاقتطاع من أجور المضربين، باعتبارهم "في حالة توقف مؤقت عن العمل" ولا يمكنهم الاستفادة من الأجر. قرار الإضراب يجب أن يتخذ على مستوى جمع عام للنقابة ويجب تبليغ المشغل رسميا بتاريخ ومكان انعقاد الجمع 7 أيام قبل تاريخ انعقاده. ولصحة انعقاد الجمع العام يجب أن يحضره ثلاثة أرباع أجراء المقاولة، ويتخذ قرار الإضراب بالاقتراع السري بالأغلبية المطلقة، وكل ذلك يوثق في محضر. ويجب تبليغ المشغل بقرار الإضراب 15 يوميا على الأقل قبل تاريخ تنفيذه، وفي حالة كان الإضراب بسبب عدم أداء الأجور، فإن مدة التبليغ تنخفض إلى 5 أيام. وعلى النقابة المضربة إحاطة عدة جهات أخرى بقرار الإضراب 7 أيام قبل تنفيذه. أما في حالة الإضراب الوطني، فيجب تبليغ رئاسة الحكومة، فضلا عن وزارتي الداخلية، والتشغيل، والمنظمات المهنية للمشغلين. كما يجب إخبار السلطة الحكومية التابع لها القطاع المضرب، وإخبار والي الجهة أو العامل، ووزارة التشغيل إذا تعلق الأمر بإضراب في مقاولة. لكن هناك شرطا آخر يتعلق بالاتفاق مع المشغل على ضمان "استمرار الخدمات الأساسية لتفادي إتلاف الممتلكات والتجهيزات والآلات في أماكن العمل". وفي حالة عدم الاتفاق يمكن للمشغل أن يطلب رأي قاضي المستعجلات، وفي هذه الحالة لا ينفذ الإضراب إلا بعد صدور أمر قاضي المستعجلات. ومن جانب المشغل، فإنه يمنع عليه خلال ممارسة الإضراب، تعويض العمال المضربين بآخرين لا تربطهم به علاقة شغل قبل تاريخ تبليغ الإضراب. لكن يمكن للمشغل، إحلال أجراء آخرين محل المضربين بهدف "توفير الحد الأدنى من الخدمة" خلال الإضراب. وفي حالة تأثير الإضراب على تزويد السوق بالمواد والخدمات الأساسية، اللازمة لحياة المواطنين، "يتعين على المشغل أو من ينوب عنه الاستعانة فورا بأجراء آخرين لتأمين استمرار المقاولة في تقديم خدماتها خلال مدة سريان الإضراب". وفي حالة تنفيذ إضراب دون احترام شروطه القانونية، يمكن للمشغل أن يطالب الجهة الداعية إليه ب"التعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت المقاولة". المشروع يعطي الحق لرئيس الحكومة طلب تعليق الإضراب، بمبادرة من وزارة الداخلية، وبتوجيه أمر لقاضي المستعجلات إذا كانت ممارسته ستؤدي إلى "تهديد النظام العام"، أو "وقف الخدمات الأساسية في حدودها الدنيا".