غادرت المغرب مهاحرةً، كانت وجهة أسرتها إلى إيطاليا، كما الشأن لمئات الأسر هنا بأقاليم بني ملالخنيفرة، كانت في ربيعها الثالث، وهي تغادر ربوات بني ملال، "كانت هجرتي في سنة 2002 في إطار أسري، تأثرا بموجات الهجرة في المنطقة، بحثا عن تحسين ظروف العيش، وانفتاح على عالم جديد، خصوصا؛ وأنها كانت سنوات التقشف في المغرب، وقلة فرص التوظيف، ناهيك عن الأفق المسدود لأغلب الشباب في تلك المرحلة"، هكذا حاولت مونية علالي، أن توجز قصة هجرتها. عادت إلى وطنها، من بابه الأكاديمي، هي الآن باحثة جامعية في مركز أبحاث فيدر FIDR: وهو مركز الأبحاث الدولي في الأديان والديموقراطية، ثم منسقة ماستر دولي بين جامعة بادوفا وجامعة البيمونتي اورينتال، والجامعة الدولية للرباط. عاشت في إيطاليا حياة عادية، توزعت بين محاولة الاندماج، والانفتاح على المجتمع الجديد، بدءاً بإتقان اللغة والبحث عن بوابات المعرفة، وتطوير المستوى العلمي، خصوصا وأن الرغبة في الدراسة لم تكن تنقصها، فهي حصلت على ثلاث أنواع من الباكالوريا؛ علمية، وأدب عصرية، ثم باكالوريا في أدب أصيلة، توجت مسارها الجامعي بنيلها الإجازة في الدراسات الإسلامية، تلقي الأستاذة أمينة، نظرة إلى الخلف، وتحكي ل2m.ma: "بين تحقيق الذات في العمل، وطبعا تربية الأبناء، وواجبات الأسرة، بما فيها الحفاظ عَلى طقوسها وعاداتها، مرت السنين بسرعة البرق، بالانغماس في اليومي الذي يستشف منك كل طاقة للتفكير في الوقت". هل بقي ارتباطك بالمغرب متواصلا أم كانت قطيعة؟، تجيب مونية عن سؤالنا: "بعد حضور والديَّ وأختي الصغرى إلى ايطاليا في إطار الالتحاق العائلي، حصلت فعلا القطيعة لسنوات طويلة، كانت تحمل الجرح من وطن حينها، لم يفتح لي أبوابه وكأني حملته مسؤولية هجرتي، أنا التي كنت أتوق بعد الإجازة فقط، إلى متابعة دراستي العليا، أو التوفق في التوظيف". بكثير من الحزن؛ تحاول مونية أن تتحدث عن الهجرة، وهي تسترجع ذاكرتها، ومسارها بين وطنين، "الهجرة بالنسبة لي؛ هي ذلك القضاء والقدر الذي قبلته ولم أكن ارغب فيه، اعتبرها ذلك المنفى الذي لم يترك الأم البعيدة عن ابنها تتابعه كيف يكبر، الهجرة هي ذلك الحائط الذي حجب عني الوطن لسنين، جعلني غريبة هناك رغم الاندماج وغريبة هنا رغم العودة. اهتمامي الحالي بها؛ ألا تكون هي الأداة التي تستعمل، لكي نُمسَح من التواجد، وممارسة المواطنة والتفاعل مع مجريات البلد، الذي نحمله أينما حللنا وارتحلنا، ورغم البعد وايماني الكبير، أن العمل الأكاديمي والعمل السياسي، هما قنطرتان للعبور ذهابا وإيابا، لكي نعيش حضورا مزدوجا عوض غياب هنا وهناك". كان حلم مونية الأول؛ أن تصبح طبيبة، أو أستاذة في التعليم. "لم يتحقق لا هذا ولا ذاك، حيث إن كابوس "الباكالوريا الجديدة" في تلك السنين، كان مهدما لكل الأحلام وهو السبب، في محاولة حصولي لثلاث سنوات على الباكالوريا لإعادة الكرة، كانت الوسائط قاتلة لأبناء الأسر البسيطة، رغم الميزة والإجتهاد". عندما التحقت مونية بإيطاليا، أعادت سنتين من الدراسة الجامعية في شعبة اللغات الشرقية، وبعدها تم الاعتراف لها بالإجازة المغربية، تم تابعت الدراسة وحصلت على ماستر في الاسلام الاوروبي بميزة جيد جدا، وماستر ثاني في تسيير الشؤون الاجتماعية الوساطة المابين ثقافية. "حاليا أتابع دكتوراه في العلوم الإنسانية". كانت طبيعة عملها مع الجامعة الإيطالية، التي انفتحت على شراكات مع جامعات مغربية في إطار مشروع دولي دام ثلاث سنوات، عاملا لتفكيرها في العودة إلى وطنها الأم، تحكي مونية "وجدت نفسي من خلاله اكتشف المغرب الجديد، الذي تغير كثيرا وتطور بشكل فاجأني كثيرا، خصوصا في مجال العلوم الاجتماعية والانسانية. المشروع نفسه؛ ولد استمرارية للماستر الذي كنت اشتغل فيه مع معهد غرناطة بإسبانيا في ثلاث دفعات، حيث أصبح الآن مع الجامعة الدولية للرباط، وهذا جعلني استقر نسبيا في المغرب، في إطار تنسيق الدفعة الرابعة منه، واعتبارا؛ أن أكثر من نصف طلبة هذا الماستر الدولي هم مغاربة، الشيء الذي جعل اهتمامي، ينصب أيضا في إطار التقرب والتواصل مع الدبلوماسية الايطالية لتسهيل الإجراءات". واكبت مونية الانتخابات الأخيرة، وكان انخراطها في حزب الاستقلال، مرحلة استكشاف، وممارسة وتمرينا سياسيا جعل فضولها يتزايد، للتعمق أكثر في وضعية مغاربة العالم، داخل اللعبة السياسة، خصوصا من جانب الحقوق والواجبات أيضا. "تميزت هذه التجربة؛ بمرحلة نضالية إيجابية، عايشت من خلالها عودة الكثير من المغربيات المهاجرات، إلى الساحة الوطنية السياسية، مع انفتاح مثير للنقاش والجدال والتطور أيضا". تقول أمينة. ورثت مونية علالي من والدها، الذي كان يشتغل أستاذا شغفها الكبير باللغة العربية، وكان نتاج هذا الإرث، صدور ديوانين شعريين "ثمن الدوح" و"هل تهوى النفوس على هواها"، وثالث قيد الطبع، ومجموعة قصص قصيرة هي أيضا قيد الطبع.