تستعد الحكومة والبرلمان المغربيين لإقرار قانون الإنتخابات المقبل. ولأول مرة في تاريخ الديمقراطيات في العالم يتم إقرار "كوطا" للشباب (المادة 23 الفقرة 2 من قانون 27.11 المتعلق بمجلس النواب) في إطار التشريع المنظم للإنتخابات البرلمانية. ثلاثون مقعدا في اللائحة الوطنية للشباب، هذا جميل، ورائع، وغير مسبوق ويستحق التصفيق حتى بالنسبة لمن لم يصفق في حياته قط، ولو تعلق الأمر بتسجيل إصابة في مباراة لكرة القدم. بعد هذا الإنجاز المبدع والخلاق توافق أو تآمر الكثيرون وجعلوا سن الشباب يمتد إلى غاية 40 سنة !! هكذا تحول القرار السياسي إلى عنصر محدد للعامل السوسيولوجي. وغدا سيخرج علينا مشرعوا آخر زمن بتحديد لمن هي المرأة أيضا، والغاية ستكون هي ذاتها، كيفية الوصول إلى البرلمان بأسهل طريقة ممكنة. إنها فعلا مآمرة ضد من هم شباب فعلا. يقول هؤلاء المحتالون إن سن الشباب غير محدد على المستوى الدولي، وهم خاطئون لأن سن الشباب المتعارف عليه دوليا من 18 إلى نهاية 24 سنة. وللموضوع علاقة بالسوسيولوجيا أي بمعطى خارجي عن إرادة الأفراد، وإلا فالكل سيريد أن يعتبر نفسه شبابا من العشرين إلى الثمانين سنة، لأن ما الفرق أن تضع أربعين سنة ولا تضع 41 أو 45 أو 75 ؟ اتركوا السياسة السياسوية وعودوا إلى الحياة والمجتمع. في العالم، ما هي السن التي تتوقف فيها استفادة الشباب من عدد من الخدمات المخفضة؟ إنها نهاية 24 سنة. ولماذا؟ لأنه من المفروض أن يكون الشاب قد استفاد من أقصى فرصة للدراسة والتخرج والبحث عن عمل، ليكون قد شرع في العمل في الخامسة والعشرين. إن التأخر في العمل خصوصا لا يعطي حقوقا إضافية باستمرار الإنتماء لجيل الشباب، بل يطرح مشكلة سياسية واقتصادية على الحكومة أن تعمل على حلها من أجل جعل الشبان يستفيدون من فترة شبابهم، لا أن تمدد لهم المدة إلى غاية أربعين سنة. وقبل سنوات، رفعت الحكومة سن الإلتحاق بالوظيفة العمومية إلى 45 سنة. اتقوا الله أيها السياسيين في بلدكم.. هذا الذي يلتحق بالوظيفة العمومية في سن الأربعين أو حتى الخامسة والأربعين قادما من عالم البطالة، أي نفس سيحمل معه لجهاز الدولة الذي يعتبر العمود الفقري لكل مجالات الحياة الوطنية؟ المشكل ليس في الإستثناءات، ولكن المشكل في تحول الإستثناء إلى قاعدة، وهذا ما جرى مع كامل الأسف. تأخر أغلب المغاربة في ولوج سوق العمل يطرح مشكلة كبرى على الحكومة أن تشتغل عليها. موضوع التخرج حسم عبر الإصلاح الذي وضعه للتاريخ أول وزير تعليم في حكومة التناوب نجيب الزروالي الوارثي (طبيب جراح وهو سفير المغرب في تونس حاليا)، لما قلص سنوات الحصول على الإجازة إلى ثلاث سنوات، وجعل المرور من سنة إلى أخرى أكثر يسرا بإدخال المواد وإعادة الإمتحان في ما تبقى. المهم لم يعد الطالب يقضي ما كان معدله 6 سنوات قبل الحصول على الإجازة. والمشكل الثاني الذي لم يحل بعد هو تعدد سنوات عدم العمل بعد التخرج، وهذه هي المشكلة الأعوص حيث يتخرج طالب الإجازة على الأكثر في 24 سنة، لكنه لا يشتغل إلى في الثلاثين من عمره أو أكثر، أي ست سنوات بعد التخرج، وهذا أمر مرعب حقا بالنسبة لكل محلل لعلاقة المهارات والقدرات المكتسبة في التعليم بسوق الشغل، ولشفافية السوق وقدرتها على الإستيعاب في علاقة مع المستويات المطلوبة للنمو الإقتصادي الكفيلة بتوفير فرص سليمة للتشغيل في إطار التطور الطبيعي، لا الحلول التعسفية على الإقتصاد وسوق الشغل التي تحل مشكلة لحفنة من الأشخاص وتخلق مشكلا لدولة. هذا لنقول، إن حلولا أكثر وجاهة وفاعلية ممكنة ! المسألة الثالثة هي بناء أسرة، لما يبني الشخص أسرة، يصير مسؤولا مسؤولية كبرى، وغالبا ما يتم هذا أيضا في بداية الثلاثينات. إذن، في انتخابات مغرب 2011، بعد الدستور الجديد، سنجد "شبابا" يمثلون الشباب في البرلمان وعمرهم 40 سنة. إنها السخرية، شبان في الأربعين، وأينهم الشبان أقل منهم عمرا بعشرين سنة؟ هل يسمح شيخ الشبان الأربعيني لنفسه أن يتحدث عن الشباب العشريني؟ وإلا لماذا كل هذا العمل الذي امتد من فترة العمل على إعداد مشروع قانون الأحزاب (سنة 2004)، حيث كان اقتراح "كوطا" الشباب في هياكل الأحزاب بمبادرة من المجتمع المدني؟ الشبان هم من في العشرينات. دخول الثلاثينات يعني الخروج من مرحلة الشباب، وإن قانون الإنتخابات سيتعسف على الشباب ويسلبهم حقهم الذي جاء به نفس القانون إذا أخرج أقصى سن للشباب من العشرينات كمرحلة عمرية. كيف يمكن لشخص في الأربعينات، أو حتى الثلاثينات أن يمثل فئة في العشرينات لها مشاكلها الكبرى كما ذكرنا أعلاه، والتي تجعلها مهمشة في المجتمع، ولا تتم الإستفادة من كل قدراتها، وأهم القدرات هي اعتبارها شابة تحمل نظرة جيل جديد أكثر تفاعلا مع محيطه ومع العالم من حوله. إن تكريس تمثيلية شيوخ الشباب لشباب العشرينات فيه ظلم وقهر وحجر على شباب راشد أكثر جرأة وتحررا. ومن المهم جدا أن تتاح الفرصة لهذا الجيل ليحمل معه جرأته وتحرره من كل القوالب الجاهزة إلى مجالات التشريع وصناعة السياسة العامة وأيضا مراقبة العمل الحكومي. وهذا الجيل العشريني يستطيع أن ينظر للواقع بعين مجردة أكثر من كل الأجيال التي أعمتها بعض السياسات ونمطتها وأضعفت قدراتها النقدية، لأنها صارت جزء من المنظومة السائدة، علما أن التجديد يتطلب عيونا ووجوها جديدة وجيلا جديدا أيضا. ماذا يقع لما يحتل الواحد مكان الآخر، إنه يفوز، لكن يفوز بغير حق. وهناك قصة تقول إن قارة نظمت سباقا للقطط، وفي النهائيات فاز قط دولة جائعة، فاستغرب الجميع، لكنهم سلموا بقوانين اللعبة. ولما اعتلى "قط" الدولة الجائعة منصة التتويج أجهش بالبكاء، وقال: اسمحوا لي، أنا لا أستحق هذه الجائزة، في الحقيقة أنا لست قطا أنا نمر !! (بدون تعليق)