انطلق نقاش وسط يساريين من الرفاق السابقين للسرفاتي، حول المسار السياسي لهذا الأخير، ومجموع المواقف التي تبناها في السنوات الأخيرة من عمره، وخصوصا تقييم مرحلة حكم الملك محمد السادس. وتعددت المواقف بين متصفحي المواقع والرسائل الإلكترونية التي تناولت الموضوع، وكان أهمها مقالات من عاشوا رفقة السرفاتي إما في السجون أو المنفى .. وإذا كان من حق أي كاتب أن يكتب ما يريد شريطة أن يلتزم بأخلاقيات الحوار ولو مع الأموات، فهذا لا يمنعني من القول إن السرفاتي تميز بجرأة ناذرة في الاجتهاد الفكري .. شخصيا، تابعت ما اعتمل في الحركة اليسارية المغربية، بحكم انتمائي السابق لليسار الطلابي ممثلا في حركة القاعديين. وبعد أكثر من عقدين من الزمن ، لا زلت أقدر في اليسار قدرته على إبداع الأفكار والتصورات، والطرح المتواصل للأسئلة وعدم التردد في تحطيم "اليقين"، وبناء أفكار جديدة، ثم تحطيمها والبحث عن أفكار أكثر جدة، في ما يشبه الصانع المبدع لأواني الفخار الذي ما أن يطمئن لشكل ما حتى تتفتق عبقريته عن جديد يتجاوز به أفكاره التي تتقادم بسرعة مثل تقادم قطعة جبن ملقى بها في العراء.. وأذكر أن السرفاتي سبق أن أبدع مفهوم "الكتلة التاريخية" كبديل لمفهوم "الكتلة الطبقية"، مثلما قال عن المغرب إنه انتقل من السنوات السوداء، نحو "السنوات الرمادية" (لا هي بالسوداء ولا هي بالبيضاء)! وهناك ما لا يعد ولا يحصى من المواقف، ومنها مواقف في القضية الفلسطينة، حيث سبق للسرفاتي أن انتقد ما أسماه ب"التطرف القومي" الذي يجعل اليساري العلماني، أو من يعتقد ذاته كذلك، يتبنى موقفا معاديا لليهود ككل مما يجعله لا يميز بين اليهودي والصهيوني، وهذا ما كان السرفاتي يعتبره سقوطا في أتون الحركة الصهيونية التي كانت تقدم نفسها كحركة جاءت ل"تحرير" اليهود، في حين، يقول السرفاتي، أنها حركة مناقضة لقيم الدين اليهودي.. ويقول هذا رغم تأكيده الدائم لعلمانيته، لكن هذا ما لم يتقبله الكثيرون!! شخصيا، كأحد أبناء ما بعد جيل أبراهام السرفاتي، أقدر كل رصيد الإبداع الفكري لآباء اليسار المغربي .. وأنظر إليه كذلك .. إبداع متواصل ! وفي المرحلة الراهنة، أتصور أن النظر إلى هذا الإبداع كإبداع، هو ما يؤهل الأجيال الجديدة لقراءة ماضي اليسار المغربي ككل قراءة موضوعية .. قراءة تحتمل النقد .. ولا تتحمل القتل !!