تتعدد وجوه أزمة الثقافة والمثقفين في المغرب، ومما يزيد الوضع تعقدا عدم مسايرة مؤسسات الفعل الثقافي الوطني للتطور الذي يشهده المجال عالميا. اليوم، اتحاد كتاب المغرب في أزمة، ويوجد في حالة غيبوبة مؤكدة منذ سنوات، والوزارة تترنح باحثة عن سياسة ثقافية وهذا ما لم يتأت لها بعد. وباقي أنوية الفعل الثقافي في حالة انكسار واضح، وأهمها الجمعيات الثقافية التي تكاد تندثر من دور الشباب ومختلف الفضاءات التي شكلت خلال العقود الماضية حضنا لميلاد العديد من الأقلام والأسماء. ما يدعو لهذا الكلام، النداء الذي وجهه الكاتب شعيب حليفي لمقاطعة وزارة الثقافة. وبالرغم من أن المقاطعة ليست حلا، ولم تكن حلا لأي موضوع، فلها والحالة هذه، فضل فتح النقاش .. ولهذا يجب أن يتعمم هذا النقاش ويتسع، لنتمكن كمجتمع من مواجهة المشاكل التي تعترض الثقافة المغربية وهي مشاكل جسيمة ومركبة، تجمع بين مشاكل الماضي ومشاكل الحاضر، من ضعف الإنتاج والإقبال، إلى اكتساح وسائل التكنولوجيا الحديثة لمساحات مهمة وسط المتعلمين دون تمكن المنتوج الثقافي المغربي من ركوب الموجة بطريقة ناجحة. فعلا، للوزارة مسؤولياتها الكبيرة في النهوض بالوضع الثقافي، وهذا هو دورها، ولهذا هي موجودة. وعلى الوزارة أن تنتج سياساتها بطريقة تشاركية يكون المثقف المغربي هو الفاعل الرئيسي فيها. وعلى وزارة الثقافة وكل الوزارات أن تتخذ القرارات في مكاتب مفتوحة، بل على هذه القرارات أن تصاغ بشكل جماعي من خلال الانفتاح على اقتراحات المثقفين ومختلف المؤسسات والجمعيات المتخصصة. ومن المطلوب أن يرتقي إتحاد كتاب المغرب إلى مستواه كإطار للكاتب المغربي، ليس فقط يمثله، بالمعنى النقابي، ولكن يوفر الفضاء الأمثل لممارسة ثقافية نوعية تتلاءم وحاجيات المرحلة. وعلينا كمغاربة، أن نشتغل في هذا المجال وفق معايير، نقيم من خلالها إنجازاتنا. ومن بين المعايير يمكن أن نضع تطور نسبة إنتاج الكتب بالنسبة لعدد المواطنات والمواطنين، ليكون هذا المعيار جوهريا، وعلى ضوئه نقيس نجاحاتنا وإخفاقاتنا.. واليوم إن عدد المطبوعات التي تنتجها مختلف المطابع (باستثناء الصحف والمجلات والكتب المدرسية) محدود جدا، وهناك أقل من نسخة واحدة لكل ألف مواطن في السنة.. وهذه إدانة قوية للوضع الثقافي المغربي، مما يؤكد أن الثقافة لازالت شأنا هامشيا، في حين أن السياسات الثقافية أساسية وجوهرية في المجتمع لأنها تتوجه مباشرة إلى الإنسان.. وإن إهمال هذا المجال هو استقالة من رهان تطوير الإنسان وتطوير المجتمع، وبالتالي ترك المجال فارغا لكل أنواع الشر التي يمكن أن تتسلل عبر آلاف النوافذ المفتوحة في عالمنا المشرع على كل الاتجاهات .. وهذا الإهمال يمثل إسقاطا لرهان التغيير .. لأن التغيير يتم بالإنسان، وفي نظري إن التغيير سيتحقق عندما يصبح في جيب كل واحد منا كتاب .. فهل في جيبك كتاب؟