تعيش تونس منذ أيام على إيقاع مواجهات عنيفة بين محتجين وقوات الأمن. ولم تنفع كل الترقيعات في الحد من تنامي الإحتجاج. وبالرغم من أن الوضع سيعود إلى الإستقرار، وأن آفاق التغيير بعيدة في تونس نظرا لضعف المعارضة بالأساس، فإن ما يستفاذ مما حدث هو الفشل الذريع للتجربة التونسية، والتي كثيرا ما بشر بها العديدون حتى في المغرب. ما حدث يطرح ضرورة التلازم بين الديمقراطية والتنمية، مع التأكيد على أن الديمقراطية قد تأتي بالتنمية، في حين أن التنمية وحدها لا تؤدي إطلاقا للديمقراطية وتقتل التنمية ذاتها بالضرورة في وقت لاحق. الديمقراطية بمعنى انتخاب مؤسسات تمثيلية بشكل نزيه دون تدخل الدولة ودون تأثير لأصحاب المال، يكون لصوت المواطن فيها تأثير واضح، ديمقراطية تؤدي لتكريس ثقافة المحاسبة وفوز البرنامج والنخب الأفضل أداء من حيث السياسات العامة، أو الأفضل اقتراحا. بل حتى الأداء الأفضل من موقع المعارضة يمكن أن يفسر القدرة على الأداء عند تحمل المسؤولية العمومية. هذه الديمقراطية تجعل المواطن يحاسب المسؤولين بناء على مدى تحسن وضعه المعيشي وتقدم الدولة ككل، إذا أحسنوا جدد الثقة فيهم، وإذا فشلوا غيرهم بمعارضة تكون قوية وقادرة على تقديم بدائل. وهكذا دواليك .. تجديد الثقة مع حسن الأداء، التغيير مع ضعف الأداء ! ولما تتاح الفرصة للشعب لإفراز المؤسسات، لا يمكنه أن ينتج قوى لا تخدم مصلحته المباشرة، وفي هذا فليتنافس المتنافسون، في إطار الوعي بأن قوى الحكم اليوم، قد تصبح قوى المعارضة غدا، والعكس بالعكس صحيح !! لما تتحقق التنمية بدون الديمقراطية، لا تكون هناك محاسبة، وهذا ما وقع ليس فقط في جارتنا المغاربية، بل في العالم. أين هو الإتحاد السوفياتي القوي والدولة الثانية في العالم؟ أين هي ألمانيا الهتليرية؟ أين هي العديد من الدول التي حققت قفزات اقتصادية مهمة في البداية، لكن سرعان ما ارتطمت بالأرض؟ الحكم الفردي يتقوى بالتنمية، ولا تكون التنمية هي الهدف، بل يكون الهدف تكريس سلطة الفرد، ولما تتكرس سلطة الفرد يتحقق الهدف، وآنذاك يتراخى الفرد "القائد" وتشرع حاشيته في النهب وتقدير التقارير البراقة التي تطربه، ويتم تلجيم الصحافة التي يمكن أن تقدم الحقائق، فتغوص البلاد في نفق عدم المحاسبة، ولما تتراجع التنمية ويدب العياء في النخب الحاكمة، لا تكون هناك ديمقراطية لإفراز البديل .. ولهذا يريد أنصار "التنمية بدون ديمقراطية" هذا الخيار لأنه يمكنهم من الاستمرار في الحكم بدون منافسة سياسية بين أطراف مستقلة .. وحتى إذا ما خارت قوى المهيمنين على الحكم، وفشلت تجربتهم التنموية انقلبوا ضد الشعب لكتم صوته حتى لا يصرخ أو يأتي بالبديل .. ولهذا يدعون تحقيق التنمية أولا، ولما لا تتحقق يعودون إلى درجة "الصفر" في الديمقراطية والتنمية معا !! موعدنا يتجدد الإثنين القادم من العام القادم ! وكل عام وأنتم بألف خير !!