ما يهمنا نحن المغاربة في التجربة التونسية، وانتصار شعبها على الرئيس بنعلي، هو أن عدم اقتران التنمية بالديمقراطية وحقوق الإنسان يؤدي إلى ظهور نخبة فاسدة ترهن حاضر ومستقبل الدولة والمجتمع. وكما كتبنا غير ما مرة منذ سنوات، فإن ادعاء العمل من أجل تحقيق التنمية أولا والديمقراطية لاحقا هو مجرد خدعة، سواء أكانت واعية أم غير واعية. وفي كلا الحالتين تكون النتيجة واحدة، تعطيل الديمقراطية، ثم القضاء على التنمية، إذ لا تنمية بدون ديمقراطية. الدرس التونسي، يجب أن يستفيد منه الجميع، خصوصا أن تونس فشلت حتى على مستوى التنمية. وخلافا لما يقوله الكثيرون، فالضحية الأول الذي أشعل الفتيل الذي تحول إلى ثورة شعبية، كان بسبب المعيشة أساسا. تونس تحولت إلى دولة مافيا كما قال موقع "ويكيليكس" ونقلته "الرهان أونلاين" في حينه، قبل انطلاق الثورة بأيام معدودة. لما تغيب الديمقراطية، تنعدم فرص المحاسبة، وهنا تنتشر كل الآفات، وليس هناك مسؤول يحاسب نفسه، إذ على الجميع أن يخضع لمحاسبة المؤسسات المنتخبة انتخابا نزيها، والتي يجلس فيها أشخاص في مستوى المسؤولية، لا مجموعة من "الشلاهبية" أصحاب البطون الممتلئة بحقوق الغير، والذين يؤخرون ولا يقدمون. من حسن حظ المغرب أنه أطلق تجربة مصالحة مهمة في مجال حقوق الإنسان، ونهضة حقوقية مهمة شملت المرأة، وحقوق بعض الفئات الأكثر هشاشة، وجاء قانون الأحزاب في وقت ما للتعبير عن إرادة عميقة للإصلاح بإصلاح أدوات الديمقراطية، واللائحة طويلة وجد مشرفة بالنسبة للمغرب والمغاربة .. ولكن !! ولكن، لم يقع تطور يذكر من حيث تطوير مؤسسات المحاسبة السياسية وخصوصا المؤسسة التشريعية وأيضا الجماعات المحلية. ووقع خلط كبير في المشهد السياسي، وعجزت كل آليات المراقبة عن كبح جماح الانتهازيين وأصحاب الشكارة وإغلاق المؤسسات المنتخبة في وجوههم. إذن، هذه الممارسات تقتل كل المجهودات وتحولها إلى لا شيء، وهذا ما يرفع من نسبة الهشاشة في المجتمع، لأن السياسات العمومية التي تنفذها الحكومة وهي الأساس لا تخضع لا للاشراك ولا للمراقبة الشعبية خلال التنفيذ، مما يجعلها سياسات فوقية كثيرا ما تطبق على الورق لا غير!! ما وقع في تونس، يجب أن يقرأ من طرف الجميع قراءة متأنية، قراءة مفكرة، أو كما يقول إخواننا أصحاب المنهج المادي التاريخي، قراءة موضوعية.. ومرة أخرى، لا تنمية بدون ديمقراطية، والديمقراطية هي أن ينتخب الشعب من ينفذون السياسات العمومية التي يريد، وإذا قصروا أزاحهم وجاء بغيرهم .. آنذاك ستتحقق التنمية وتضمن شرط استدامتها، وهذه هي الديمقراطية وما عداها، فهو مجرد كلام حواشي ..