بانطلاق التظاهرات في مصر، يكون بلد جمال عبد الناصر ومحمد قطب قد تحرك في اتجاه التعبير عن صوته. والأهم في تحليل ما وقع هو أن التحرك لم يأت من جيل لا عبد الناصر ولا محمد قطب، بل من جيل شبان وشابات الإنترنيت الذين أطلقوا النداء، فخرجت جماهير غفيرة إلى الشوارع. نفس الشيء حدث في تونس إلى أن هرب بنعلي أمام الأمواج البشرية التي تقاطرت على الشوارع، وحاصرت القصر، ولا يمكن لبقايا النظام التونسي أن يصمدوا في مواجهة شارع غاضب .. السؤال في كلا الواقعتين، عن البديل .. بعد مجهود جبار وتاريخي، لازال الشعب التونسي يبحث عن بديل، ونفس الشيء بالنسبة لمصر أمام واقع معارضة ضعيفة وحركة إخوانية متخلفة وعدوة الحرية ومرفوضة من قبل الشباب والأجيال الجديدة، وحركة ناصرية محدودة التأثير! سبق لعدد من منظري الثورات أن أكدوا على أهمية البديل، وإعداد البديل لضمان المرور من مرحلة الاحتجاج إلى مرحلة تحصيل نتائج الاحتجاج. وفي التجربتين التونسية والمصرية، يطرح هذا السؤال بكل إلحاح. وإذا كان غياب البديل أمرا واقعا، فهو ناتج عن فقدان الأمل في التغيير لدى الحركات التي كثيرا ما عملت من أجل ذلك. ولما جاء التغيير كانت هذه الحركات قد "وضعت السلاح"ّّ!! نظريا، على الشعوب إفراز قياداتها الحركية الجديدة المؤمنة بإمكانيات التغيير أو التطوير، حسب الحالات.. ينطلق الأمر بالتشبيك، وينتهي بإفراز قيادة تقبل أن تتخلى على السلطة، لكن هذا يجب أن يتم عبر إرساء قواعد النظام الديمقراطي، بتقوية مؤسسات المجتمع وإطلاق حرية التعبير بالكامل .. بالكامل ! وهذه الحرية هي ضمان حماية التغيير!! وماعدا ضمان حرية التعبير، فكل شيئ يكون كلاما في كلام، وبدون الحرية القائمة في المجتمع، يصعد شخص ما للسلطة ولا يتزحزح من هناك، لأنه لا يسمح بظهور صوت يقول له "لا"، ويتراكم الضغط حتى يطرد الحاكم شر طردة مثلما طرد بنعلي وغيره كثيرون. لكن الشعوب لا تكون مستعدة للثورة كل يوم، وهذا يعرفه الحكام، وإن كانوا لا يعرفون أن الشعوب قد تثور وقد تنجح في ثوراتها .. عمليا، فإن كل شعب يتدبر أمره بطريقته .. وهناك قناعة تكررت في تونس وتتكرر في مصر، وهي أن الضغط يولد الانفجار !! وإن ضمان انتصار أية ديمقراطية هو إقرار حرية التعبير بالمطلق، وتجريم استعمال العنف في تفريق المتظاهرين، باعتبار التظاهر وسيلة للتعبير .. وإن كان التظاهر ضد نظم الحكم!!