تطورات مؤسفة شهدها مؤخرا محيط سياج مليلية السليبة، حيث أدى توجه عشرات المهاجرين غير النظاميين إلى السياج وسقوط ضحايا عند صدهم بالقوة العمومية، وهو سيناريو أعاد إلى الأذهان أحداثا شبيهة بما حصل تجر وراءها أزمة الهجرة بالقارة السمراء وتداعياتها. الحدث ليس بريئا بالنظر إلى سياقه وتوقيته الزمني، بحسب مهدي منشد، خبير في شؤون الهجرة واللجوء، الذي أكد أن هناك جهات لها مصلحة في خلق متاعب جديدة وتأزيم العلاقات المغربية الإسبانية والأوروبية، بعدما عرفت نوعا من الدينامية، وبعد الاعتراف الإسباني بمغربية الصحراء وبأحقية الحكم الذاتي. وقال منشد، إن المدخل الوحيد لهؤلاء المهاجرين هو الحدود الجزائرية، مضيفا أن "هذه الحدود من الصعب ضبطها بشكل كامل، خاصة في ظل وجود مافيات الاتجار بالبشر مؤازرة من طرف جهات وأياد أخرى تريد أن تجعل لهذه الأحداث طابعا سياسيا". من جانب آخر، أشار الخبير في شؤون الهجرة واللجوء إلى "المسؤولية الثلاثية" في مسألة الهجرة، موردا أن المغرب يجب أن يتحمل مسؤوليته، وقد تحملها ووضع استراتيجية جديدة للهجرة واللجوء، وقام بتسوية وضعية المهاجرين، ووضع سياسات قطاعية في المجال، وجهز الترسانة القانونية الملائمة؛ إذ سبق أن صدر قانون جديد لمحاربة الاتجار بالبشر وحماية ضحاياه، فيما يوجد قانون اللجوء في طور المصادقة في البرلمان، وكذلك القانون الجديد حول الهجرة والإقامة في المغرب الذي يأخذ مساره التشريعي. والضفة الأوروبية، يتابع منشد، ينبغي أن تتحمل مسؤوليتها؛ فالمغرب لا يمكن أن يلعب دور الدركي ويحمي حدود أوروبا لوحده. وكذلك الأمر بالنسبة للطرف الثالث، وهو الدول المصدرة للهجرة، وخصوصا دول إفريقيا جنوب الصحراء. ودعا الباحث عينه هذه الأطراف الثلاثة إلى وضع مخطط لمحاربة الهجرة السرية، وبرامج للتنمية بإفريقيا، ودعم المغرب ماديا ولوجستيكيا لحماية حدوده وكبح المتوجهين بكيفية غير نظامية نحو أوروبا. وقال إن "الهجرة ظاهرة لصيقة بالمجتمعات البشرية، وستستمر دائما، وإذا لم نتهيأ لها بشكل جيد سنسقط في الفوضى، والتاريخ مليء بالتجارب من هذا القبيل، كما حصل في إيطاليا وإسبانيا، وما حدث بعد الحرب في سوريا"، مضيفا أن الهجرة قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في وجه المغرب إذا لم يتم التفاوض مع كل الأطراف. وتابع: "لا يمكن الفرح لوجود ضحايا، لكن المغرب ليس له حل سوى الدفاع عن سيادته، خاصة أن المهاجرين كانوا ينوون تجاوز السياج، ربما كان هناك إفراط في استعمال العنف، لكن لا يمكن التساهل في مثل هذه الأحداث". من جانبه، سجل حسن بلوان، باحث في العلاقات الدولية، بأسف، وقوع هذه الأحداث، إلا أنه اعتبر أنها أظهرت أن المغرب يضطلع بدور مهم في محاربة الهجرة غير النظامية، خاصة تجاه وإسبانيا، وأوروبا عموما. وقال بلوان إن "المغرب برهن على أنه لاعب محوري في محاربة الهجرة"، مؤكدا أن "اجتماع السفراء الأفارقة في الرباط سلط الضوء على هذا الدور، في وقت تأسف فيه جميع المتدخلين لكون المغرب يتحمل المسؤولية لوحده دون دعم مالي ومساندة من الاتحاد الأوروبي". وأشار إلى أن المغرب لم يعد بلد عبور فقط، وإنما دولة تستقطب مجموعة من المهاجرين الذين يستقرون فيها، مبرزا أن "المقاربة المغربية شاملة ولا تتوقف عند الجانب الأمني والاجتماعي، إلا أن المملكة ترفض سياسة الدركي، وهو الخيار الذي عبر عنه وزير الشؤون الخارجية، ناصر بوريطة، في أكثر من مرة". وفيما يتعلق باستعمال القوة العمومية، رد بلوان بأن "هناك جهات مغرضة تتحدث عن استعمال العنف المفرط، وخاصة التقارير الصحافية للجزائر، وتناست أن الحصيلة أثبتت وقوع ضحايا أيضا من القوات العمومية المغربية، لذلك فهذا الموضوع ليس للمزايدة وإنما للتفكير في كيفية مواجهة ظاهرة الهجرة غير النظامية بتعاون بين مختلف الدول المعنية كي لا تقع مستقبلا مثل هذه الأحداث".