متابعة فوجئت الأم فاطنة، ومعها أمهات أخريات مكلومات، قاطنات وسط حي شعبي في مدينة إنزكان، باختفاء أبنائهن، يوم الثلاثاء الماضي، الذين غادروا نحو المجهول، تاركين إياهن مكلومات وسط بحر من التأويلات، والغموض، خصوصا أنهن يعلمن حق اليقين أنهم مهوسون بالهجرة السرية، إذ حاولوا خوض تجربتها، منذ أن كانوا تلاميذ في المستوى الابتدائي، إلا أنهم فشلوا في ذلك. وبعد أن تمكن أحدهم من الحصول على مبلغ مالي مهم، بطريقة غامضة، ومجهولة، دعا باقي زملاءه إلى تشكيل تركيبة رباعية، اثنان يدرسان بالمستوى الأول إعدادي، واثنان آخران غير متمدرسين، بهدف مغادرة أرض الوطن، والإبحار بعيدا على متن قوارب الموت، في هجرة سرية، لا يعلمون مآلها، ولا مصيرها، ولكن فقط رغبة منهم في السير على خطى شباب آخرين قاصرين، نجحوا في الوصول إلى بر الأمان في بلدان أوربا، قبل أشهر، مستغلين الموجة الأخيرة، التي عرفتها عدد من المدن الساحلية المغربية في الهجرة السرية. وكانت الأم فاطنة، إلى جانب أمهات أخريات، قد وضعن لدى المصالح الأمنية في إنزكان طلب فتح بحث عن أبنائهن، الذين اختاروا المغادرة نحو المجهول، تاركينهن مكلومات يبكين في كل لحظة وحين، وهم يتذكرن أن أبناءهن لايزالون صغار، ولا يقوون على مواجهة صعاب الحياة، إذ سيكونون عرضة لمختلف أشكال الاعتداءات في الشوارع. وصرحت الأم فاطنة ل"ليوم24″، أنها تلقت أخبارا تفيد وجود ابنها في الحدود الشمالية للمغرب، ينتظر رفقة زملائه الفرصة السانحة للهجرة السرية، كما أنها نشرت عددا من صور للمختفين، تطلب، من خلالها، من سكان الشمال المساعدة في إيجادهم، والوقوف إلى جانبهم من أجل العودة إلى حضن أهلهم. واختارت الأمهات المكلومات نشر الصور، وانتظار اتصال هاتفي قد يحمل لهن خبرا سارا حول مكان وجود أبنائهن، الذين ظلوا تحت مراقبتهن، ورعايتهن إلى أن اختفوا في غفلة منهن. وظلت الأم فاطنة تنسج قصائد من الزجل تحكي من خلالها ما تشعر به من آلام، ومعاناة، وخوف وشفقة بعد مغادرة فلذة كبدها للمنزل في اتجاه المجهول، رفقة أصدقائه، في مشهد حزين، ومن بين ما جاء على لسانها، وخطته أناملها هذه القصيدة الزجلية حول الهجرة السرية: بكى الموج مدا وجزر بكى بحرقة ومر من امال أبنائك ياوطني شرب كؤوس من دم طازج حار من غيض الشباب فاض من يئس و بؤس أيها الموج تمهل …تمهل أرحم دموع الثكالى أنت بقلوبنا ترحل من مزاجك الغاضب نعيش الوجل على شاطئك أحلام تذروها الرياح رسمنا قصورا من الوهم هناك خلف الحدود…بعيد قريب أيا سبتة أيا مليلية ياحلما عشيب ألست منا ألست نحن في زمن غريب قلوب أولادنا تهف إليك قهرا ونحيب وموج اختلط بدمائنا رسم الحدود طفولة تغتصب على شاطىء الاماني قهر وكرامة استباحها الظلم في قبة القرارات والتعسف شعب دفع كل شيء ثمن سلام مأجور لك الله يا وطني …يااخضر لك الله ياشمسا نعشقها ياقمرا باعيننا دائما احمر رحماك أيها البحر تشاركنا الذنوب بوابة خطر أنت ونحن شعب يعيش المر تضمنا من واجهتين وياكلنا حسد الحاسدين ولنا ظالمين غصبونا من سنين بين المطرقة والسندان ضاع الأمان والثمن باهظ ..فلذة الأكباد هي الأثمان