أفرجت السلطات السعودية، أول أمس الأربعاء، عن الناشطة الحقوقية لجين الهذلول، بعدما قضت نحو ثلاث سنوات خلف القضبان، في قضية أثارت تنديدا دوليا، تتعلق أساسا بالتحريض على تغيير النظام و"خدمة أطراف خارجية". وموازاة مع ذلك، أفرجت السلطات المصرية عن الصحافي المصري بشبكة تلفزيون "الجزيرة" القطرية محمود حسن، بعد أكثر من أربع سنوات في حبسه احتياطيا، بتهمة "بث أخبار كاذبة والانتماء لجماعة محظورة والحصول على أموال أجنبية". هذه الإفراج المتزامن بين مصر والسعودية، والتي لم تفلح معهما الحملات الدولية المتضامنة مع هؤلاء المعتقلين، والمطالِبة بالإفراج عنهم، جاءت بعد أن تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بالتدقيق في سجل حقوق الإنسان في المملكة بقيادة العاهل الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله ولي العهد الأمير محمد. هذه الأحداث ربطها العديد من المحليين والمتابعين للشأن السياسي الدولي بمحاولة "التماهي مع توجهات الإدارة الأمريكيةالجديدة"، وهو ما يثير تساؤلات حول ارتباط هذه الأحداث بما قد يقدم عليه المغرب في مستقبل الأيام في تعاطيه مع ملف المعتقلين على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية، ومنهم المعتقلون على خلفية أحداث الحسيمة أو من عرفوا لاحقا بمعتقلي "حراك الريف". ضغط أمريكي على المغرب وفي هذا السياق، شدد المحل السياسي والخبير في العلاقات الدولية، خالد الشيّات، على أن "هناك تدقيقين من الناحية المنهجية، إذ لا يمكن القول أن هذا سيكون بضغط من دولة أجنبية ليحسن المغرب سجله في حقوق الإنسان"، مؤكدا على أن "المغرب تجاوز هذه المرحلة التي كان فيها الاتحاد الأوربي يضغط على المغرب في اتفاقية الشراكة في التسعينيات، أو يستعمل هذه الورقة للضغط على المغرب في قضايا ذات صبغة اقتصادية". وأوضح الشيات، أنه "يصعب الحديث عن ضغط أمريكي على المغرب لتحسين سجلها في حقوق الإنسان، علما أن هناك حالات طرأت فيها اعتقالات في أحداث ذات مطالب اجتماعية سياسية، إذ كانت حيثيات الاعتقال قانونية جنائية بالخصوص، وكان الحراك موجودا عندما كان بصيغة سلمية، ولكن عندما تدخلت بعض الأطراف لتحويله إلى شكل عنيف، وأطراف أخرى، إضافة إلى مساس بالمساجد من خلال اقتحام يوم الجمعة". اختلاف جذري ويرى الشيّات، في حديثه ل"آشكاين"، أن "المغرب تعامل بشكل مختلف عن باقي الدول، وهذه الخلاصىة ليست من باب تلميع صورة المغرب، ولكن بالمقارنة مع ما سبق في السعودية ومصر مثلا، إذ أن الأمر يختلف جذريا، فهناك معتقلين يفوق عددهم عشرات أو مئات الآلاف، كلهم بدون محاكمة، أو أي ضمانات قضائية أو قانونية، إضافة إلى أن الخلفية خلفية سياسية لأمر يعلمه الجميع". في ما يتعلق بالسعودية، ستدرك محدثنا شارحا: "تختلف كثيرا عن المغرب، خاصة على مستوى أوضاع حرية التعبير والحريات المرتبطة بحقوق الإنسان بصفة عامة، ونحن هنا لسنا بصدد تلميع صورة المغرب بصورة فجة، ولكن الأمر فعلا مختلف، علما أن هناك حالات في المغرب تتعلق بحرية التعبير، وحرية الاحتجاج التي يكفلها الدستور المغربي، بالتالي فهناك فرق شاسع بين النموذجين الذين ذكرنا سابقا". نضج وسلم اجتماعي وضحايا منظومة سياسية ولفت المتحدث إلى أنه "يجب أن تكون هناك مبادرة وطنية داخلية، لمراجعة الجوانب المرتبطة بإشكال الحسيمة أو جرادة، أو المرتبط بما حدث في مجموعة من مناطق المغرب، والتي خلفت اعتقالات على خلفية قانونية وقضائية، ولا سيما مخالفات ينص على معاقبتها في القانون الجنائي المغربي، وذلك من خلال خلق نقاش أوسع وأضخم لكي يشمل الجوانب الأخرى المتعلقة بالحريات التي كفلها الدستور المغربي". مردا أن "ما يبقى هو الجانب الإجرائي، المرتبط بإرادة سياسية، أو بمبادرة من رئيس الدولة بالعفو إن شاء على الأشخاص، وإن كان ما يبدو أن الكثير من الحالات نضجت فيها الأمور في هذا الاتجاه، ولكنها تعود إلى الانتكاس وعدم تلبية هذا المطلب الذي قد يعطي ربما سلما اجتماعي أكبر بين النظام والأشكال الاجتماعية السياسية الأخرى". "لأن هؤلاء الأشخاص هم ضحايا منظومة سياسية، فقدت فيها الوسائط التقليدية للتعبير عن المطالب أدوارها، بما فيها الأحزاب السياسية والنقابات، فصبح المواطن في صلة مباشرة للاحتجاج على الأوضاع في الشارع"؛ يورد الشيات بأنه "أحيانا كثيرة يكون المواطنون غير واعين بخطورة الأفعال التي يقومون بها والتي تترتب عنها عقوبات جنائية", مراجعات بعيدا عن التدخل الخارجي والإملاءات وخلص المتحدث إلى أن هذا الملف "يجب أن يراجع في المغرب بعيدا عن أي تدخل خارجي، أو أي شكل من أشكال الإملاءات التي يمكن أن تكون ضد المغرب، هذا لا يعني أن هذه الخطوة قد تكون كنوع من الملاءة مع الدارة الجديدة لأمريكا، بل يجب أن تكون مبادرات مبنية على أمور واقعية وموضوعية بعيدة عن أي استعمال". ذر الرماد في العين وشدد المتحدث على أنه " يمكن تقييم ما فعلته السعودية ومصر، كنوع من ذر الرماد على الأعين، والأمر يحتاج إلى نقاش حقيقي، وإلى عفو حقيقي عن كل المعتقلين الذين يرتبط اعتقالهم بتعبيراتهم للمطالبة بأمور اجتماعية أو سياسية أو غيرها، بالتالي فالإفراج عن شخص هنا وهناك لا يعدو أن يكون مجرد ذر للرماد في الأعين". ملفات حقوقية عالقة..ومنظمات دولية تتصيد المغرب واسترسل الشيات قائلا، إنه "إذا كان هذا سيحدث في المغرب، وكان هناك نقاش جديد، رغم أن المغرب له سجل جيد في حقوق الإنسان، خاصة في عهد الملك محمد السادس، مع مبادرات الإنصاف والمصالحة وغيرها، يجب أن يكون نقاش حول الأدوار المختلفة لكل الفاعلين كيفما كانوا، سواء رسميين أو غير رسميين في مجال التعبير عن الاحتجاجات". منبها إلى "عدم السقوط في الحالات التي قد تتدخل فيها أي جهات أجنبية لتوجيه هذه الاحتجاجات أو جعلها أكثر عنفا، وبالتالي يصعب معالجتها ممن حيث الناحية القانونية". مشيرا إلى أن "هناك ملفات أخرى يجب أن يعمل المغرب على تحسينها في مجال حقوق الإنسان، بما فيها حرية التعبير في مواقع لتواصل الاجتماعي وبعض المنصات المرتبطة بوسائل الإعلام، إذ أن هناك حالات لمتابعات تجد لها سندا على المستوى القانوني، ولكن سندها على المستوى السياسي والواقعي ليست لها أي أهمية، ومثل هذه الحالات هي التي تملأ تقارير هذه المنظمات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، والتي تتصيد المغرب في كل هذه الحالات وتقوم بملئ هذه التقارير ضده".