: 7 غشت 2021 القاضي برهون، هوالاسم الذي يعرف به لدى طلبته وتلامذته، وكل معارفه داخل أسوار الدارالبيضاء وخارجها. وقد كان الشرف أكبر من أن يوصف عندما تعرفت عليه بواسطة كتابه النفيس" خبر الواحد في التشريع الإسلامي وحجيته"، الذي أهداني نسخة منه بعد طبعه ونشره أوائلالتسعينات من القرن الماضي عن طريق أحد محبيه الذي كان ولايزال يتردد على مدينة الناظور. لم يقدر لي الالتقاء به مباشرة، ورغم ذلك بقيت صلتي به على منوال رسائل شفوية تصلني منه رحمه الله وتحمل إلينا سلامه ومودته وحبه وتقديره. خاصة عندما علم تأسيسنا للمدرسة القرآنية/ الإمام مالك للتعليم العتيق بالناظور/ وإشرافنا عليها وإدارة شؤونها. ومن خلال الاطلاع على كتابه القيم"خبر الواحدالمذكور"تبدو لك كفاءة العالم وربانيته وسنيته وسعة اطلاعه وقدرته على التحليل والتعبير وتمكنه من ناصية أساليب العرب وأمثالهم وفصاحتهم؛ ولذلك انتقي مدرسا وواعظا وموجها وخطيبا وكاتبا ومؤلفا. ويعد القاضي برهون من أساطين العلماء المعاصرين الذين اشتهرت بهم مدينةالبيضاء منذ أن ارتادوها في السبعينيات من القرن الماضي أمثال السيد: الزبير الحسنى،والسيد الزمزمي والدكتور تقي الدين الهلالي والسيد زحل وعز الدين توفيق وغيرهم ممن كانت لنا الحظوة في الجلوس مع بعضهم والاستماع الى دروسهم وشهود محاضراتهم والاستفادة من كلماتهم والانتفاع بمعارفهم المتنوعة الغزيرة. وقد عرف عن سيدي القاضي برهون مايعرف عادة عن أقرانه العلماء من سمو في الأخلاق وهمة عالية ترفعهم عن الخوض فيما يخوض فيه العامة من سفاسف الأمور وتوافهها، وكان رجلا يحب العمل ويسعى اليه مع الاضطلاع الكامل بمسؤولياته الأسرية والعائلية وفي التعليم والإرشاد والتوجيه، وهداية الحيارى الى طريق الهداية والحق ولو كلفه ذلك أغلى التضحيات والصبر على المكاره، ولم يكن يتوانى في نشر العلم والدفاع عن حرمة الشريعة الغراء، ينفي عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.وقد كان صدى مبادئه والثبات عليها تصل أنحاء الوطن وخارجه، ولذلك أقبل عليه الناس وأحبوه واعتبروه علما شامخا وطودا عاليا في المعرفة والعلم والأخلاق المحمدية. ويصدق من قال: " نجم من علماء السلف سطع نوره في سماء الخلف" أخباره وأحواله العلمية والعرفانية وأخلاقه السنية مانقرأه في كتب تراجم علماء السلف الصالح وأخبارهم وأحوالهم. وإن خير ما نعزي به أنفسنا في رحيل سيدي القاضي برهون وفقدانه، هذه المشاركات النيرة التي تبقى من مآثره ينتفع بها الناس بعده. فقد أسهم بنصيب وافر في مجالات التعليم والتفقيه والتوجيه والتربية والتأليف وأعمال الخير التي عم نفعها طبقات من ذوي الحاجة والعوز، فأسس بذلك مدرسة متكاملة مما يليق بالإنسان أن يشتغل ويهتم به في هذه الحياة الدنيا الزائلة التي عم بلاؤها وطم. وقد انتقل الى رحمة الله تعالى صباح يوم الجمعة 25 محرم 1443ه الموافق ل 03 شتنبر 2021م، متأثرا بمضاعفات مرض العصر- عافانا الله جميعا-. وتفاعل مع الخبر كثير من المتتبعين والعلماء الذين ذكروا الفقيه. بجميع أفعاله وعمله الدؤوب في الدعوة الى الله وخدمة القرآن وتحبيب الناس في العلم الشرعي. مات سيدي القاضي برهون مخلفا حزنا وأسى في قلوب خلق ممن عرفوه وتتلمذوا عليه وصدقهم القول، ونصح لهم. وانتفعوا بتآليفه، ملتحقا – رحمه الله- بكوكبة من العلماء، والاعلام والشخصيات الذين تناثرت حبات عقدهم في هذا العام والذي قبله حتى سمي بعام الحزن كما قال أحد الشعراء السوسيين: نوائب هذا العام لا تتوقف ** وجرح سهام الموت ما زال ينزف جنائز أهل العلم تترى ومالنا ** على فقدهم الا الأسى والتأسف ففي كل حين عالم ينزل الثرى ** وأكبادنا من بعده تتلهف فعزاؤنا واحد في فقدان هذا العالم الرباني، وندعو الله تعالى أن يسقي ضريحه مدرار غيث الرحمة والغفران ويعطره بمسك القبول والرضوان ويكرمه بالنعيم المقيم والخلود في فراديس الجنان انه ولي الامتنان والإحسان. آمين.