صدر، أخيرا، في الجريدة الرسمية القانون رقم 32.09 المتعلق بمهنة التوثيق والذي سيدخل حيز التطبيق بعد سنة من نشره، قانون استجاب إلى بعض تطلعات المهنيين، كما يؤكد أحمد أمين التهامي الوازاني، رئيس الغرفة الوطنية للتوثيق العصري، في حوار مع الصباح، ويشكل أرضية قانونية متطورة ، إلا أنه لم يبلغ سقف تطلعات وطموحات هيأة التوثيق. وأضاف الرئيس أن هناك ضرورة ملحة لتدبير المرحلة الانتقالية ووضع حد للتراجع الذي تعرفه المهنة على عدة مستويات حتى لا تكون الهوة كبيرة بين الواقع وبين طموح النص القانوني الجديد، كما أن الورش القانوني لم يكتمل بعد، فصدور القانون، حسب الوزاني، لا يعني النهاية بل هناك معركة النصوص التنظيمية التي لا يمكن للقانون أن يستقيم بدونها. بعد المعارك التي خضتموها لأجل الحصول على قانون توثيق يستجيب لمتطلباتكم، هل أنتم مرتاحون لصدور القانون 32.09 في صيغته هذه؟ بداية اسمحوا لي أن أهنئ من هذا المنبر كل أفراد أسرة التوثيق العصري على ميلاد إطار قانوني جديد سيتشكل بحول الله نقطة انطلاق جديدة للمهنة ان على مستوى تأهيلها وتنظيمها أو على مستوى مكانتها الاجتماعية والقانونية وموقعها في الدينامية الاقتصادية الوطنية. إن هذا النص مهما كانت قوة حمولاته القانونية وشمولية رؤيته التأهيلية ودقة مقتضياته التنظيمية لن يبلغ سقف تطلعات وطموحات هيأة التوثيق، لكنه يشكل أرضية قانونية متطورة على قدر كبير من الأهمية كفيل بخلق شروط تحقيق نقلة نوعية في مجال التوثيق العصري. ماهي أبرز المكتسبات التي جاء بها القانون الجديد ؟ اننا اليوم أمام قانون مغربي وضع من قبل مغاربة لكل المغاربة، خلافا لما كان عليه الأمر مع ظهير 1925. قانون عصري بأفق واعد يعزز موقع المهنة وطنيا ودوليا في علاقاتها مع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين ويقوي موقعها في المنتديات العالمية للتوثيق. إن القانون رقم 32.09 يجيب على أبرز الإشكاليات الكبرى التي تعانيها المهنة والتي يمكن حصرها في ثلاث، نقاط التكوين والتكوين المستمر من خلال خلق معهد خاص بالتكوين في مجال التوثيق ستكون له لا محالة انعكاسات مباشرة ايجابية على الأداء المهني والتدبيري للموثق والمقاولة التوثيقية. فالتنظيم والحكامة الجيدة ومن خلال خلق هيأة وطنية وهيآت جهوية أسوه بباقي المهن الحرة تقطع مع غياب ابسط الإمكانيات المادية والبشرية والآليات والاختصاصات من أجل تنظيم محكم للمهنة، والدفاع عن مصالح المنتسبين إليها، وحماية حقوق المتعاملين معها، ووضع استراتيجية على المستوى المتوسط والبعيد. وهو الأمر الذي تفتقد الغرفة اليوم أبسط مقوماته بحكم و ضعها القانوني إذ لا تعدو أن تكون جمعية خاضعة للقانون المؤطر للجمعيات. ثم هناك التخليق فالقانون الجديد جاء بمقتضيات هامة من شأنها حماية الموثق من الانزلاقات المحتملة والمرتبطة بأدائه لمهامه من خلال تأطير وتقنين آليات المراقبة التي لم تبق حكرا على النيابة العامة بل أصبحت تختص بها أيضا الهيئة الوطنية والمجالس الجهوية للتوثيق، وفي ذلك دعم للتوازن بين حماية حقوق الموثق ومصالح المجتمع، فضلا عن تكريس الحماية القانونية للموثق في مواجهة الشكايات الكيدية ومنع اعتقال أو متابعة أي موثق إلا بعد إخبار رئيس الهيأة الوطنية أو المجالس الجهوية. هذا بالإضافة إلى جملة من المستجدات الهامة التي تضمنها أيضا القانون رقم 32.09 والمرتبطة أساسا بإعادة تشكيل اللجنة المكلفة بإبداء الرأي في تعيين الموثقين ونقلهم وإعفاءهم في اتجاه رفع تمثيلية الموثقين داخلها وإلزامية إبرام الموثق لعقد التأمين وممارسة مهامه بمجموع التراب الوطني وتحديد تعريفة موحدة وغيرها. ورغم كل هذه المكتسبات فإن هذا القانون لم يشف غليلنا وكان بالإمكان تحقيق المزيد، لكن الظروف التي عرفتها مهنة التوثيق خلال المسار التشريعي لهذا النص والتي تميزت أساسا بتوالي الشكايات والاعتقالات والمحاكمات التي طالت بعض أعضاء المهنة، بالإضافة الى المعارضة غير المبررة لفئة قليلة جدا من الموثقين من داخل المهنة لأي مساس بظهير 1925 واستماتتهم للحفاظ على الاوضاع الغامضة والملغومة التي يكرسها هذا القانون الاستعماري، ضدا على التحديث والتأهيل والتخليق وضدا على قانون الطبيعة الذي لا يؤمن اٍلا بالتطور. هذه العوامل أضعفت الموقع التفاوضي للغرفة الوطنية للتوثيق في مواجهة الحكومة والمؤسسة البرلمانية، وكان بالإمكان تحقيق مكتسبات أكبر ضمن هذا القانون، لو أن المهنة كانت تتحدث اللغة نفسها وتجمع على التطلعات والأهداف النبيلة ذاتها. فهنالك جملة من الاجراءات التي اقترحتها الغرفة الوطنية للتوثيق في اطار تعديلاتها، ولم تلق التجاوب الكافي وترتبط أساسا بتحصين وتأمين أكبر لحقوق ومصالح المهنيين والمتعاملين معهم، تهدف أساسا الى خلق أجواء علاقات جديدة للثقة بين الموثقين والمجتمع وتجاوز تداعيات الوضع الحالي. وهناك أيضا تحقيق التوازن للمقتضيات المتعلقة بحقوق الموثق وواجباته وتوفير الاجراءات الملائمة لأداء مهمته على أحسن وجه بعيدا عن الارهاب النفسي، فضلا عن موقفنا الرافض للمادة الثامنة والتي طالبنا بحذفها. ولكن القانون يبقى قانون وليس قرانا منزلا وبالتالي فتعديله يبقى أمرا ممكنا في كل المحطات سواء من خلال مشاريع أو مقترحات قوانين وهناك التزام حكومي وبرلماني للتعامل الايجابي مع كل المبادرات الهادفة الى سد بعض النقائص. القانون سيدخل حيز التنفيذ بعد سنة من نشره في الجريدة الرسمية هل هذه المدة كافية للتهييء من أجل انسجام المهنة مع توجهاته ومقتضياته؟ إن القانون في نظرنا ليس غاية في حد ذاته بل وسيلة لتحقيق التأهيل المنشود للمهنة واستعادة إشعاعها ووجاهتها داخل المجتمع، وهذا متوقف على مدى استعداد الجسم التوثيقي للانخراط الفعال في فلسفة هذا القانون والاستثمار الأمثل لكل مقتضياته. وبالتالي فموازاة مع الورش الاستراتيجي لإخراج القانون 09 32 الى حيز الوجود- الذي طوقنا بمسؤوليته الجمع العام الدي منح أعضاء المجلس الاداري للغرفة مشروعية تمثيل المهنة- كان علينا فتح ورش اخر لا يقل أهمية هو تدبير المرحلة الانتقالية ووضع حد للتراجع الذي تعرفه المهنة على مستويات عدة حتى لا تكون الهوة كبيرة بين الواقع وبين طموح النص القانوني الجديد. ومن تم اخترنا الاستثمار أولا في العنصر البشري باعتباره الرأسمال الأساسي للمهنة، فبعد مبادرات جهوية متفرقة لتكوين المتمرنين شرعنا في برنامج دعم وطني للمقبلين منهم على الامتحان المهني الذي سينظم خلال الأيام المقبلة بالإضافة إلى بلورة برنامج للتكوين المستمر لفائدة الموثقين سينطلق قريبا يهم دعم الموثقين في مجالات القيادة والتواصل والتدبير المقاولاتي وتوحيد مناهج العمل، وعقدنا لهذا الغرض اتفاقية شراكة مع المتخصصين في هذا الميدان. الهدف من هذه المبادرات هو من جهة الحد من العجز الحالي المسجل على مستوى التكوين ومن جهة أخرى مراكمة الخبرة والتجربة العلمية والتأطيرية في هذا المجال وصقل المهارات الذاتية في أفق خلق معهد التكوين المنصوص عليه في القانون. وعلى المستوى التنظيمي شرعنا في خلق تمثيليات جهوية للغرفة الوطنية للتوثيق في بعض الجهات التي لا تتوفر فيها غرف جهوية ووضعنا رهن اشارتها الامكانيات المادية الضرورية للشروع في مهامها التنظيمية مع التزام المجلس الاداري للغرفة الوطنية بدعم برامجها ومخططات عملها التي تندرج في سياق التحديث والعصرنة. كما أننا وفي خطوة استباقية لتفعيل القانون نتوفر على مشروع طموح لتعميم الأنظمة المعلوماتية على كل مكاتب التوثيق سيمكن من تطوير مناهج العمل وتوحيدها و تكريس أكثر لمبدأ الشفافية في التعامل والنجاعة في الأداء. سيكون قابلا للتفعيل في القريب العاجل. ناهيك عن المجهودات اليومية الجبارة التي يبذلها أعضاء المجلس الاداري من أجل علاقات أكثر وضوحا ويسرا وشفافية مع كل الشركاء الأساسين للمهنة من ادارات ضريبية ومؤسسات التحفيظ والتسجيل ومؤسسة النيابة العامة. وبالنسبة إلينا فالورش القانوني لم يكتمل بعد، فصدور القانون لا يعني النهاية، بل هناك معركة النصوص التنظيمية التي لا يمكن للقانون أن يستقيم بدونها، وندعو جميع أفراد المهنة الانخراط في هذا الورش القانوني من خلال أفكارهم ومقترحاتهم لإخراج النصوص التنظيمية العشر المكملة لهذا القانون بتنسيق وثيق مع وزارة العدل.