الصندوق المغربي للتقاعد ينضم إلى برنامج "داتا ثقة" لحماية المعطيات الشخصية    نظام العسكر يبتز "جون أفريك" والصحافي ديالها: إلى بغا يدخل للدزاير خاصها تبدل مواقفها ولا يمشي هو من المجلة    مندوبية التخطيط: حوالي 97 فالمية من الأسر المغربية صرحوا باللي أسعار المواد الغدائية طلعات فعام 2023    وزير : قطاع الطيران .. الحكومة ملتزمة بدعم تطوير الكفاءات    قبل مونديال 2030.. الشركات البرتغالية تتطلع إلى تعزيز حضورها في السوق المغربية    "ميتا" طلقات مساعد الذكاء الاصطناعي المجاني فمنصاتها للتواصل الاجتماعي    الكابرانات محتاجزين نهضة بركان فمطار هواري بومدين بسبب خريطة المغرب    لقاو عندهوم فلوس كثيرة فاتت مليون ونصف مليون درهم.. توقيف بزناسة فالشمال كيبيعو لغبرا (صورة)    ردوا بالكم غدا.. كاينة شتا ورياح قوية مرتقبة فعدد من مناطق المملكة    الوكيل العام ففاس قرر تمديد فترة الحراسة النظرية فحق الشبكة اللي كيتزعها سوري ونصبات على بنات ففاس لاستغلالهن فالدعارة    كان واعر في الأدوار الدرامية.. وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني وفعمرو 81 عام    محاكمة طبيب التجميل التازي ومن معه.. النيابة العامة تؤكد ارتكاب جريمة "الاتجار في البشر"        توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    ردّا على المسرحية الإيرانية.. إسرائيل تطلق صواريخ بعيدة المدى على مدينة أصفهان    مجلس النواب يعقد جلسة عمومية لاستكمال هياكله    ميراوي: أسبوع يفصل عن إعلان سنة بيضاء وبرلمانيون يناشدونه التراجع عن القرارات تأديب طلب الطب    طنجة .. توقيف ثلاثة أشخاص لإرتباطهم بشبكة إجرامية تنشط في المخدرات    طغى عليه الغياب واستحواذ الأغلبية على مقاعد الأمناء والمحاسبين : انتخاب مكتب مجلس النواب    في تقليد إعلامي جميل مدير «الثقافية» يوجه رسالة شكر وعرفان إلى العاملين في القناة    جمال الغيواني يهدي قطعة «إلى ضاق الحال» إلى الفنان عمر السيد    الهجمات على إيران "تشعل" أسعار النفط    فيتو أميركي يٌجهض قرار منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة    الطريق نحو المؤتمر ال18..الاستقلال يفتح باب الترشح لعضوية اللجنة التنفيذية    صورة تجمع بين "ديزي دروس" وطوطو"..هل هي بداية تعاون فني بينهما    منظمة الصحة تعتمد لقاحا فمويا جديدا ضد الكوليرا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    السودان..تسجيل 391 حالة وفاة بسبب الاصابة بمرضي الكوليرا وحمى الضنك    باستثناء الزيادة.. نقابي يستبعد توصل رجال ونساء التعليم بمستحقاتهم نهاية أبريل    العصبة الاحترافية تتجه لمعاقبة الوداد بسبب أحداث مباراة الجيش    التراث المغربي بين النص القانوني والواقع    المدير العام لمنظمة "FAO" يشيد بتجربة المغرب في قطاعات الفلاحة والصيد البحري والغابات    أخْطر المُسَيَّرات من البشر !    لوسيور كريسطال تكشف عن هويتها البصرية الجديدة    ورشة في تقنيات الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية بجماعة عرباوة    مهرجان خريبكة الدولي يسائل الجمالية في السينما الإفريقية    "قتلوا النازحين وحاصروا المدارس" – شهود عيان يروون لبي بي سي ماذا حدث في بيت حانون قبل انسحاب الجيش الإسرائيلي    سوريا تؤكد تعرضها لهجوم إسرائيلي    الدكيك وأسود الفوتسال واجدين للمنتخب الليبي وعينهم فالرباح والفينال    ضربات تستهدف إيران وإسرائيل تلتزم الصمت    تقرير يُظهر: المغرب من بين الوجهات الرخيصة الأفضل للعائلات وهذه هي تكلفة الإقامة لأسبوع    تفاصيل هروب ولية عهد هولندا إلى إسبانيا بعد تهديدات من أشهر بارون مخدرات مغربي    بعد نشر سائحة فيديو تتعرض فيه للابتزاز.. الأمن يعتقل مرشد سياحي مزور    واش اسرائيل ردات على ايران؟. مسؤولوها اكدو هاد الشي لصحف امريكية واعلام الملالي هدر على تصدي الهجوم ولكن لا تأكيد رسمي    المغاربة محيحين فأوروبا: حارث وأوناحي تأهلو لدومي فينال اليوروبا ليگ مع أمين عدلي وأكدو التألق المغربي لحكيمي ودياز ومزراوي فالشومبيونزليك    "الكاف" يحسم في موعد كأس إفريقيا 2025 بالمغرب    خطة مانشستر للتخلص من المغربي أمرابط    بيضا: أرشيف المغرب يتقدم ببطء شديد .. والتطوير يحتاج إرادة سياسية    نصف نهائي "الفوتسال" بشبابيك مغلقة    الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يطالب بفرض عقوبات على الأندية الإسرائيلية    "قط مسعور" يثير الرعب بأحد أحياء أيت ملول (فيديو)    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    الأمثال العامية بتطوان... (574)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دكتاتورية السوق
نشر في الصحيفة يوم 10 - 05 - 2021

شهدت نهاية الثمانينات من القرن الماضي تحوّلاً كبيراً في العلاقات الدولية، توّج بانهيار جدار برلين في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1989، الذي كان إيذاناً بانتهاء عهد الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي، وولادة ما سُمّي ب "النظام العالمي الجديد"، بقيادة الولايات المتحدة، وقد تجاوز هذا التغيير الجوانب السياسية والثقافية ليمتدّ إلى الحقل الاقتصادي والاجتماعي في إطار ما أُطلق عليه "نظام العولمة".
والعولمة في أبسط تعريفاتها تعني: تيسير انتقال المعلومات والسلع والأموال والأفكار والعادات الاجتماعية والثقافية من الدول الصناعية المتقدّمة إلى أنحاء العالم، الأمر الذي يترتّب عليه انفتاح الأسواق وزوال الحواجز الجمركية وتقليص نفوذ الدولة الوطنية، لا سيّما في ظل الثورة العلمية - التقنية وتكنولوجيا المعلومات والإعلام والطفرة الرقمية "الديجيتيل"، والتي حقّقت تقدّماً هائلاً وغير مسبوق في مفهومَي الزمان والمكان، بحكم تحوّل العالم إلى "قرية صغيرة" متفاعلة على نحو متشابك، خصوصاً في الطور الرابع من الثورة الصناعية.
وأصبحت النيوليبرالية المرجعية الفكرية للعولمة، التي تقوم على عناصر عديدة أساسها اعتبار السوق الكيان المهيمن للرؤية الاقتصادية على نحو شبه مقدس وحرية تكاد تكون شبه مطلقة، وذلك بتحرير أسعار السلع والخدمات وخصخصة المجالات الحكومية ومشاريع القطاع العام، وإعادة النظر في دور الدولة لجهة إلغاء بعض واجباتها السابقة في رعاية المواطنين وتخلّيها عن دورها الاجتماعي والاقتصادي من جهة، وإلغاء وظيفتها في ضبط السوق، بتوسيع مجالها في حريّة انتقال السلع والخدمات والأفراد بلا مجهود من الداخل والخارج، أي بإغفال البُعد الاجتماعي لمفهوم العدالة واعتماد البقاء للأقوى اقتصادياً، وهكذا يصبح السوق في خطاب العولمة السياسي والثقافي هو الأساس.
والأمر لا يتوقف عند الجوانب الاقتصادية والسلع المادية، ولكن يمتد إلى الأبعاد الثقافية العميقة في التشكيل النفسي والقِيَمي للإنسان والمجتمع. وهكذا فالعولمة لا تستهدف الهيمنة الاقتصادية فقط، بل إنها تسعى لوضع اليد على الأنساق الثقافية المختلفة، وصبغها بلون مجتمع السوق، بحيث يتحدّد كل شيء في المجتمع بسعر السوق، حتى القيم الإنسانية والعلاقات بين البشر، لا سيّما تحت تأثير الإعلام الضخم والمفخِّم، ووسائل التواصل الاجتماعي. وكان فرانسيس فوكوياما المنظّر الأمريكي من أصل ياباني قد بشّر بذلك بكتابه: "نهاية التاريخ والإنسان الأخير"، معتبراً نمو الليبرالية الغربية الشكل النهائي لنظام الحكم.
واستندت ثقافة العولمة على أربع محاور أساسية وهي: نمط الاستهلاك وثقافته، ونموذجها الأول: في الطعام المكدونالد، وذلك عبر دعاية غير مسبوقة. والثاني: ثقافة دافوس، القائمة على نخب من رجال أعمال وطامحين لبلوغ القِمّة، والثالث: ثقافة العقل أو النادي الثقافي، وأساسه شبكات أكاديمية ومؤسسات غير حكومية أو ما يسمّى ب "المجتمع المدني"، المتأثر بالأفكار التي تروّج إليها المؤسسات الغربية وأيديولوجياتها غير البريئة، والرابع: الحركات السياسية المتأثّرة بالغرب والانفتاح، والداعية إلى مفاهيم عابرة ل الوطنية والسيادة والاستقلال وحق تقرير المصير ومفاهيم العدالة الاجتماعية.
واعتمدت الليبرالية على أدوات استخدمتها بشكل مؤثّر وفاعل مثل: الشركات المتعدّدة الجنسيات أو ما فوق القومية، والمؤسسات الاقتصادية العالمية، ك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وحكومات الدول الكبرى وأدواتها مثل اتفاقية التبادل التجاري الحرّ والمناطق الحرّة وبرامج إعادة الهيكلة، إلى درجة أن الليبرالية الجديدة فرضت نفسها كفكرة مسيطرة وقوة مهيمنة متجاوزة الهوّة بين الشمال والجنوب، وبين الدول الغنية والفقيرة، وأصبح انتقال اللاجئين من الجنوب الفقير إلى الشمال الغني أحد مظاهر التغيير من دون أن تتهاون في مساعيها لاستتباع الدول والشعوب تحت مزاعم مناهضة الإرهاب الذي هو نتاج للتعصب ووليده التطرّف والعنف، وتحت شعار محاربته، تعمل على تأمين مصالحها، ولا سيّما بالهيمنة على الموارد الطبيعية وتأمين سيطرتها الاستراتيجية وحماية حلفائها.
وتناست الليبرالية شعاراتها التي بشّرت بها في الثلاثينات بالانتقال من دولة الحماية ودولة الرعاية إلى "دولة الرفاه" وفق النموذج الكينيزي، لأنها أصبحت تهدد المستقبل. ولعلها كانت مجرد "تراجع تاكتيكي" أيام الحرب الباردة، ورضوخاً لبعض مطالب الحركة الشعبية والعمالية في البلدان الرأسمالية.
هكذا سيكون غالبية سكان العالم خارج إطار المنافسة، لأن العولمة بطبيعتها تنحاز إلى الأغنياء على حساب باقي فئات المجتمع، فيزداد تركيز الثروة في أيدي الأقلية وتتسع الهوّة بين البشر، تحت عنوان البقاء للأصلح استناداً إلى نظرية داروين وتهميش الأقل قدرة، أي نزع البعد الأخلاقي عن عملية التنمية بحيث تصبح قوى السوق مساوية لقوى الطبيعة، وعلى الجميع الإذعان لها والتكيّف مع قوانينها، فلا مكان للتخلّف والفقر في هذه الغابة اللّاإنسانية، وذلك ما ينعكس اليوم على الصراع الأميركي - الصيني.
وإذا كان هناك وجه آخر للعولمة يقوم على عولمة الثقافة والحقوق والتكنولوجيا، لكن قوى السوق وديكتاتوريته ستشكّل رادعاً لعدم التراكم والتأثير على مسارها، بحكم جبروتها الاقتصادي ووسائل الإعلام الضخمة، التي تملكها، إضافة إلى ترسانة السلاح في إطار تقسيم ظالم وأنماط استهلاكية سريعة وموحّدة. فحتى الأحلام والأماني والأذواق والسلوك وأشكال الحياة ستكون منمذجة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.