خلص المشاركون في فعاليات المناظرة الوطنية حول إصلاح العدالة إلى أن مهنيي جهاز العدالة لهم من الاستعداد والإمكانات ما يكفي للانخراط في إنجاح ورش الإصلاح، واعتبروا أنه استعداد غير مشروط بمصلحة فئوية أو تطلع ذاتي بقدر ما هو منفتح على رغبة في خدمة الوطن وتعزيز المكتسبات التي راكمها المغرب. وأكد المتدخلون في المناظرة التي نظمتها جمعية هيئات المحامين بالمغرب على مدار يومين بمراكش تحت شعار "جميعا من أجل عدالة مستقلة ونزيهة وناجعة"، أن ثنائية فصل السلط وتوازنها تفرض أن يتخذ النقاش مداه في رسم حدود الفصل بين السلطة القضائية وباقي السلط بقدر من الموضوعية والتجرد عن كل النزعات الفئوية والقراءات الجاهزة، والتحليلات المنفصلة عن قيم وخصوصيات الهوية المغربية، دون إهمال مستلزمات الانخراط القوي في تحصين قيم العدل والحرية والمساواة بمفهومها الكوني الضامن لكرامة الإنسان والمحصن لحقوقه. وأكدت المناظرة الوطنية على محورية الفرد والمجتمع في ورش الإصلاح، وفق ما يعزز مكانة المواطن وحقوقه، ويعزز حضور ثقافة القانون وسيادته في المخيل الجمعي للمغاربة، مع ما يستلزمه هذا الأمر من تعبئة وطنية شاملة وتعزيز آليات النقاش الديمقراطي المنفتح على الرأي والرأي الآخر دون إقصاء أو تهميش. وفي كلمة له بمناسبة افتتاح المناظرة، أكد مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، أن السنة الجارية ستشهد حوارا مع كافة المهن القضائية لإعادة صياغة القوانين المنظمة لها بما يتلاءم وحاجيات العدالة ومتطلبات التحديث، بدئاً بمهنة المحاماة ثم مهن المفوضين القضائيين والعدول والنساخ والموثقين والخبراء والتراجمة، مشددا على أن وزارته "ستسترشد في هذا الحوار بمقتضيات الدستور وميثاق إصلاح منظومة العدالة سينتج، بحول الله وعونه، تشريعات تؤطر المهن القضائية بما يخدم العدالة ويكرس المصالح المشروعة لأهلها وللمواطن المسخرون جميعا لتحقيق مصالحه في الحال وفي المآل". وجدد الرميد خلال كلمته التأكيد على أن من دعائم إصلاح منظومة العدالة الاهتمام بكل الجوانب المتعلقة بالتخليق، وقال "إذا كان تخليق القضاء أمرا لا يتأتى إلا بالانخراط الواعي والمسؤول لكل الفاعلين في الحقل القضائي، فإن النزاهة تعد فيه بمثابة الثمرة التي يتعذر جنيها إن لم تكن قطوفها دانية"، موضحا أن ما يجعل هذه القطوف دانية، هي مدى ما يتحلى به القاضي وكاتب الضبط والمحامي ومهنيو القضاء وباقي المعنيين من أخلاق مشرفة لا تعتريها المداراة في الحق. وأضاف أنه مهما يوضع من قوانين، ويسن من ضوابط ومعايير، فالرهان الأول والأخير يبقى هو العنصر البشري الذي ينبغي أن تتوفر فيه شروط ومقومات النزاهة بما يعنيه ذلك من شرف الذمة، وعفة النفس، وصحوة الضمير، يضيف الوزير. من جهته، شدد مصطفى فارس، الرئيس الأول لمحكمة النقض، على أنه إذا كانت مكونات العدالة مطالبة مبدئيا بتخليق الحياة العامة والسهر على نفاذ وسيادة القانون والمساواة أمامه، فلا يمكن تصور تحقيق هذه الإلتزامات إلا إذا كان القائمون عليها حريصين على التشبت بها وتطبيقها على أنفسهم أولا، موضحا أن مختلف التجارب العالمية المقارنة أو النصوص المنظمة لمهنيي العدالة بالمغرب تتضمن شروطا والتزامات ذي حمولة أخلاقية ملزمة، كما أن مخرجات الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة أكدت بدورها على أهمية وجود مدونات سلوك تؤطر عمل منظومة العدالة دون استثناء. وأضاف فارس أن ميزان العدالة، لا يستقيم إلا بنزاهة جميع مكونات هذه الأسرة من قضاة ومحامين وكتابة ضبط ومفوضين وخبراء وعدول وموثقين وضابطة قضائية، وأي خلل أخلاقي أو خدش في نزاهة إحدى هذه الحلقات المترابطة من شأنه المساس بالثقة الواجبة وينعكس سلبا على صورة القضاء والعدالة في نهاية المطاف.