ما حدث بمدينة وجدة يوم 5 مارس 2016 من فوضى في لقاء تواصلي لرئيس الحكومة مع طلبة مدرسة عليا، يستدعي لحظة تأمل في مسببات الفوضى وتعبيراتها ورسالته وعلاقتها بمستقبل التدافع السياسي في البلاد. ما حدث ليس أمرا هينا ولا ينبغي النظر اليه من زاوية واحدة فقط، كما لا ينبغي التهرب من التدقيق في التحليل بالانجرار وراء اوصاف جاهزة قد تكون صالحة للتشخيص الآني وقد تكون صائبة، كإجابة لحظية يمليها الاشتباك الاعلامي. ما حدث من تهجم فئة قليلة على نشاط تواصلي لمؤسسة تستضيف رئيس الحكومة في صورة غير معهودة في المغرب، وتخريبها لقواعد الحوار وأخلاق الاستضافة، وواجبات إكرام الضيف، بكلام غير مسؤول وحركات بدائية، وانتزاع للكلمة بالقوة والعنف المادي والمعنوي، والدوس على حق الأغلبية الحاضرة في التواصل مع المسؤول الثاني في الدولة، وإلغاء حق الجهة المنظمة في تدبير لقائها، ونسف ضوابط تدبير الفضاء المشترك، كل هذا وما صاحبه من سلوكات ومواقف مؤسفة نقلتها مقاطع الفيديو، يُسائل الدولة بجميع مؤسساتها، والمجتمع بكل مؤسساته حول نموذج المواطن الذي يستهدفان تخريجه. ما حدث بوجدة، يضع من يرعى هذا النموذج في موقف محرج أمام مستقبل الوطن، ومستقبل تدبير المجالات والفضاءات التي تتطلب تفاعلا بين جميع مكونات المجتمع وحساسياته، هؤلاء الذين تسببوا في الفوضى بهذه الطريقة المخجلة، لم يقوموا بذلك اضطرارا لأن البلاد تعرف انفتاحا منذ سنوات تعزز بعد حراك 20 فبراير وفر حرية التعبير والاحتجاج المنظم، ولا يمكن تفسير ما قاموا به الا كونه ناشئ عن إعمال مبادئ تُملي عليهم هذا السلوك بل ربما تجعلهم ينتشون بالقيام به وقد يعتبرونه منتهى البطولة وغاية النضال في المنظومة الفكرية التي تؤطرهم. ما حدث بوجدة من المفيد أن نعتبره صورة مصغرة للمجتمع والدولة أيضا، ونحاول أن نتخيل كيف سيتصرف كل طرف في حال كان الأمر متعلقا بانتخابات، أوبتمثيلية في مؤسسات أوبترافع وتداول حول قضايا تتعلق بالمصلحة العامة وبمصلحة الوطن. ما حدث في وجد يجيبنا بأن معنا من لا يؤمنون بقواعد تدبير الفضاء المشترك ولا يؤمنون بالشرعية والمشروعية ولا يرون منطقا في التعامل مع الآخر غير منطق الصراع والقوة وانتزاع ما يريدونه خارج القواعد بالعنف وبحرمان الآخرين من حقوقهم. وقد يدافعون عن هذا السلوك النشاز بتوظيف مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، وهم في الحقيقة ليسوا إلا مستغلين استغلالا بشعا هذه المفاهيم، غير مبالين بالإسهام الذي تفرضه عليهم الوطنية في تعزيز وترسيخ عائد الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان بالممارسة والقبول والامتثال. ما حدث في وجدة بكل شجاعة هو فشل ديمقراطي، وسقوط مدوي لتيارات في المجتمع، تدلس على الناس، ويفتح الإعلام العمومي لتدليسها وتفتح مؤسسات حزبية ونقابية وحتى عمومية ومنتخبة لمدلسيها، وتيارات جارية التشكل لا ترى في الكون إلا ما تعتبره مصلحتها رافعة شعار "أنا ومن بعدي الطوفان"، ما حدث بوجدة دليل قاطع على الخطر الذي يتهدد الديمقراطية إذا تم التمكين لهؤلاء ما لم يراجعوا قناعاتهم وأهدافهم. ما حدث في وجدة سيتيح فرصة جديدة أمام المواطنين للمقارنة بين هذه التيارات، وبين نموذج آخر مثله رئيس الحكومة الذي يواصل تحمّل مسؤوليته كزعيم سياسي يُصنع معه تاريخ جديد لمنصب رئيس الحكومة بصفات جديدة لم يتحل بها من احتل المنصب نفسه قبله في المغرب، وربما قليلون من تحلوا بها خارج المغرب. ما حدث في وجدة أظهر رغبة اكيدة عند رئيس الحكومة في التواصل المباشر مع الجميع، ودفاعا مستميتا على إصلاحاته، وشجاعة وجرأة في مواجهة الاستفزاز والتشويش، وصبر على الإساءة والإيذاء المعنوي وتحويلا ذكيا لمحاولات النسف والإحراج إلى نقط لصالح الديمقراطية الصاعة في البلاد، وفي المقابل أظهر مرضا يسري في منطقة ما في المجتمع ربما في المدرسة أو ربما في الجامعة أو ربما في بعض التنظيمات. انتهى ما حدث في وجدة، وظهرت بطولة من سراب توهمها من عبروا عن مطالب قد تكون مشروعة لكن باسلوب فظ وبحماسة زائدة وطيش تكشف بعض تفاصيله أن منهم مسخرون ومنهم مجندون ومنهم مغفلون، انتهى ما حدث في وجدة فربح بنكيران وحزبه مساحات تواصلية جديدة وستربح معهما السياسة انخراط فئات جديدة، وسيعود الفوضويون إلى هامشهم في انتظار غزوة جديد في مكان آخر يثبتون من خلالها فشل أطروحتهم وخطر من يحرضهم ويرعاهم على الديمقراطية في البلاد!