تؤشر التطورات الجارية في الحياة السياسية الوطنية سواء على المستوى المؤسساتي والبرلماني أو على مستوى القوى الاجتماعية المعارضة مثل جماعة العدل والإحسان، عن انطلاق عملية بناء توازن سياسي جديد، سيعمق من حالة الفرز ويضع القوى الديموقراطية أمام مفترق طرق جديد، إما الانتقال إلى مواكبة التحول السياسي أو البقاء رهينة حسابات وموازين قوى تشكلت في الماضي وأصبحت متجاوزة بعد نجاح الشعب المغربي في تجسيد إرادته في التغيير الحقيقي عبر اقتراع 25 نونبر والتفاعل الملكي المتقدم مع هذه الإرادة. يمكن هنا الوقوف عند موقفين تزامنا في التوقيت، وعكسا وجهين لضغط التحول المفروض على عموم القوى من أجل إعادة التموقع السياسي والإصلاحي، الأول ظهر في موقف جماعة العدل والإحسان التي أعلنت الانسحاب من حركة 20 فبراير، والثاني في موقف الاتحاد الاشتراكي في جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب والسعي اللافت لتقديم طبيعة المعارضة البرلمانية المتوقعة، وفي كلتا الحالتين يمكن ملاحظة وجود مخاض عميق يطرح أسئلة الهوية السياسية الجديدة لقوى المعارضة في مغرب ما بعد 25 نونبر، والتجليات العملية القادرة على تجسيد مقتضيات هذه الهوية. عملية الفرز المثارة آنفا، نجدها مؤطرة بواقع موضوعي تعيشه حركة 20 فبراير رغم قيمتها الرمزية، حيث أصبحت عاجزة عن قلب ميزان القوى السياسي لفائدتها والتحول إلى حركة جماهيرية محددة للمسار السياسي في البلاد، مثل ما حصل عند ولادتها وبالتالي لم يعد الرهان عليها ممكنا لتحقيق برنامج التغيير المطروح، كما أنها مؤطرة أيضا بوضع موضوعي تعيشه قوى المعارضة البرلمانية والتي وجدت نفسها أمام استمرار حالة من التقدم في تمتين التحالف الحكومي وبنائه على أساس من ميثاق واضح وكذا حالة حماس سياسي مجتمعي متطلع لنجاح تجربة التغيير الحكومي بقيادة حزب العدالة والتنمية، وهنا أيضا لم يعد من الممكن الرهان على معارك سياسية وثقافية هامشية، قد تبدو دوافعها سليمة لكنها تنتج في نهاية المطاف خطر الانحراف عن المعركة الأصلية، أي معركة الديموقراطية الفعلية في مواجهة بقايا السلطوية ومخاطر تأثير مخلفاتها في المسار السياسي للبلاد. إن المعركة اليوم، تقتضي من عموم القوى السياسية والاجتماعية، بغض النظر عن مواقعها، توجيه إمكاناتها وقدراتها نحو تسريع مسلسل التحول السياسي على أساس من التنزيل الديموقراطي للدستور، والحذر من الدخول في معارك استنزاف، يخطئ أصحابها البوصلة.