إنفانتينو : المغرب أصبح أحد المراكز العالمية لكرة القدم    السجين المتوفي بالناظور كان يعاني من مرض عضال واستفاد من كل الخدمات الطبية اللازمة (بيان)    عين اللوح .. افتتاح فعاليات الدورة الرابعة والعشرين للمهرجان الوطني لأحيدوس    تحتوح: الحكومة وفية لالتزاماتها رغم التحديات ومشاريع جهة الشرق تحتاج دفعة قوية    قندس جندول تفوز بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان المسرح الحر الدولي بعمان    الرجاء يعلن فك ارتباطه باللاعب مروان زيلا بالتراضي    انخفاض مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي بميناء الصويرة    بوغطاط المغربي | عندما تتحول "لوموند" إلى بوق دعائي مأجور في ملف مهدي حيجاوي.. وشبهات مثيرة حول بصمات طحنون في القضية    إنقاذ فرنسيين قرب سواحل أكادير بمروحية تابعة للقوات المسلحة الملكية    القدرة على الادخار... آراء متشائمة للأسر خلال الفصل الثاني من سنة 2025 وفق مندوبية التخطيط    لقاء تواصلي هام بهدف تجويد خدمات قطاع الكهرباء بجهة الشرق    لقجع عن كأس كأس إفريقيا 2025 ومونديال 2030    أمن مرتيل يفتح تحقيقًا بعد العثور على جثة شخص بوادي الديزة    الرئاسة السورية تعلن وقفا شاملا وفوريا لإطلاق النار في جنوب البلاد    نائب رئيس المجلس الأمريكي للسياسة الخارجية: المغرب عبأ استثمارات مهمة لتحقيق الازدهار الاقتصادي بمنطقة الصحراء    القدرات اللوجستية المتقدمة للمغرب عززت إشعاعه على الصعيد الدولي (نائبة سابقة للرئيس الكولومبي)    المغرب واليونسكو يعلنان عن تحالف جديد لتعزيز التنمية في إفريقيا عبر التعليم والعلم والثقافة    وزان يفشل في اجتياز الفحص الطبي للانتقال إلى نادي ريال مدريد    فرحات مهني: النظام الجزائري يحوّل تالة حمزة إلى قاعدة عسكرية ضمن مخطط لاقتلاع القبائل    ثقة الأسر تسجل التحسن في المغرب    لجنة دعم إنتاج الأعمال السينمائية تكشف عن مشاريع الأفلام المرشحة للاستفادة من الدعم    ترامب: قريبا سيفرج عن 10 أسرى في غزة    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    إصابة 19 شخصا في حادث ألعاب نارية خلال مهرجان شعبي بألمانيا        فيلدا: جاهزون لكل السيناريوهات في نصف نهائي الكان    أكثر من 20 عاما في فرنسا ويرفض منحه تصريح إقامة    محمد المهدي بنسعيد        أرسنال يضم مادويكي من تشلسي بعقد لخمس سنوات وسط احتجاج جماهيري    أنفوغرافيك | ⁨جامعة محمد الخامس تقود سفينة البحث العلمي في المغرب خلال 2025⁩    كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق تحتضن مناقشة رسائل تخرج الطلبة الفلسطينيين    حملة هندية تستهدف ترحيل آلاف المسلمين .. رمي في البحر وهدم للمنازل    استئناف موسم صيد الأخطبوط بالمغرب    الدفاع الجديدي يتعاقد مع حارس موريتانيا    فيلدا: فوز "اللبؤات" على مالي مستحق    سائقو النقل بالتطبيقات يطالبون بترخيص السيارات المستعملة عبر دفتر تحملات    فتاح العلوي: مونديال 2030 فرصة تاريخية لتحقيق نمو اقتصادي كبير    تعاون مغربي فلسطيني في حقوق الإنسان    السغروشني: تكوين الشباب رهان أساسي لتحفيز التحول الرقمي بالمغرب    "الأشجار المحظورة" .. الشاعر المغربي عبد السلام المَساوي ينثر سيرته أنفاسًا    زيادة كبيرة في أرباح "نتفليكس" بفضل رفع أسعار الاشتراكات        الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    دراسة: الذكاء الاصطناعي يحول تخطيط القلب العادي إلى أداة فعالة لاكتشاف عيوب القلب الهيكلية        افتتاح بهيج للمهرجان الوطني للعيطة في دورته ال23 بأسفي تحت الرعاية الملكية السامية        بعد تشخيص إصابة ترامب بالمرض.. ماذا نعرف عن القصور الوريدي المزمن    "مهرجان الراي للشرق" بوجدة يعود بثوب متجدد وأصوات لامعة    البيت الأبيض يعلن إصابة ترامب بمرض مزمن    وداعا أحمد فرس    دراسة تكشف العلاقة العصبية بين النوم وطنين الأذن    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور أحمد الريسوني يكتب عن الحركة الإسلامية والمسألة العلمية - الحلقة الثانية
نشر في التجديد يوم 26 - 09 - 2002


علم الدين بين الرواية والدراية
قد يكون من المسلمات التي لا يناقش ولا يتردد فيها أحد أن العلم بالدين يقوم على ركنين كبيرين هما الرواية والدراية. فالرواية يقصد بها نقل القرآن والسنة من فرد لآخر أو لآخرين، ومن جيل لآخر، سواء بالمشافهة أو بالكتابة، مع يتطلبه ذلك من تحر وضبط ضمانا لسلامة المروي من الزيادة أو النقص أو التحريف، والدراية يقصد بها الفهم والتفقه في معاني النصوص المروية وأحكامها ومقتضياتها، فعلى هذا يقوم العلم بالدين عند المسلمين عامتهم وخاصتهم.
غير أن المشكلة تكمن في التفصيل والتنزيل، وما يتبعهما من تحقيق وتطبيق؛ فنجد كثيرا من الناس من المعدودين علماء أو فقهاء، ومن المفكرين والمثقفين يخوضون في الدين وأحكامه وكتابه وسنته، برواية دون دراية، أو بدراية يحسبونها دون رواية، أو بتكثير أحد الركنين وتضخيمه مع تقليل الآخر وتحجيمه.
وإذا كان الذين يتجاوزون الرواية ويجعلون الدين وأحكامه مجرد فكر ورأي، أو يهمشون الرواية حتى تصبح نصوصها مجرد جزيرات في بحر أفكارهم ومذاهبهم وتحليلاتهم، إذا كان هؤلاء قد ظلوا مهمشين ومتجاوزين بدرجة كبيرة عند عامة المسلمين، كما عند جمهور علمائهم، فإن الأمر ليس كذلك مع الذين يتجاوزون الدراية ويقللون من شأنها ويقصرون فيها اعتمادا على كثرة الحفظ والرواية.
فنظرا لجلالة قدر القرآن الكريم والسنة النبوية، فإن الحفاظ والرواة للكتاب العزيز وللحديث الشريف، قد حظوا وحظي علمهم بتبجيل وتكريم بالغين عند المسلمين. وهم يستحقون ذلك. لكن المشكل الذي حصل ويحصل هو أن يصبح حفظ القرآن الكريم والتفنن في إتقان تجويده وترتيله، والإحاطة بقراءاته وحروفه، وأن يصبح حفظ الأحاديث والآثار بمتونها وأسانيدها وطرقها وصيغها، هو العلم وهو منتهى العلم، وأهله هم العلماء.
إن الإغراق في الرواية والانهماك فيها، وإعلاء منزلة أصحابها مع ضعفهم وقصورهم أو تقصيرهم وتفريطهم في الدراية، يؤدي إلى أمرين كلاهما أسوأ من الآخر:
1 تعطيل المعاني التي يحتاج استخراجها إلى الدراية والتدبر والتفقه.
2 ترويج الفهم السطحي والظاهري والسقيم للدين ونصوصه.
مما لاشك فيه أن في نصوص الدين كثيرا من المعاني والأحكام الواضحة القريبة المنال، ولا يحتاج إدراكها إلى كثير تفكر وتدبر. ولكن مما لاشك فيه أيضا أن الكثير من نصوص الدين وأحكامه تحتاج إلى كثير من التدبر والتفكير، ومن البحث والمدارسة.
بل إن ما يكون ظاهرا واضحا من نصوص الدين وأحكامه، إذا تدبرناه وتدارسناه وقلبنا وجوهه، فإنه يعطينا أكثر مما تعطينا ظواهره وقطوفه الدانية، كما روى ابن عبد البر عن بعض علماء السلف أنه كان يقول "ثلاث أحبهن لي ولإخواني: هذا القرآن يتدبره الرجل ويتفكر فيه فيوشك أن يقع على علم لم يكن يعلمه. وهذه السنة يتطلبها ويسأل عنها. ويذر الناس إلا من خير" (جامع بيان العلم وفضله 2/35).
فتدبر القرآن والسنة والتفكير فيهما ومدارستهما، كل هذا يعطي المزيد من العلم ويعطي سداد العلم. وهذه هي الدراية التي ينبغي ألا تنفك عنها الرواية. وقد أمر الله تعالى بتدبر القرآن الكريم وشنع على الذين لا يفعلون (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) سورة محمد 25 . فالتدبر شيء زائد على مجرد التلاوة والفهم الأولي الظاهري. وفي الحديث الصحيح >ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم..." الحديث. فجمع إلى التلاوة المدارسة، التي هي البحث والنقاش وتقليب النظر. وفي هذا تجاوز لمجرد المعاني اللغوية الحرفية والإدراكات الأولية. لأن هذه لا تحتاج إلى تدبر ولا مدارسة.
على أن الدراية والتدبر والمدارسة لا تعني بالضرورة إبطال المعاني الظاهرية أو تعديلها. فقد تكون هذه مطابقة لتلك. وهذا هو الأصل. ولكنها تعني زيادة فهم وزيادة علم، وتعني استنفاد الطاقة الدلالية الكاملة للنص، بما في ذلك المعاني والدلالات المركبة من عدة نصوص.
والمقصود عندي الآن هو إثبات ضرورة الدراية والدراسة المتدبرة لنصوص الشرع منفردة ومجتمعة، وأن الرواية وحدها مهما كثرت وتضخمت ليست هي العلم. وقد جاء في الحديث النبوي الشريف "نضّر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها غيره. فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه". فالحديث ينص على الوعي بالرواية قبل نقلها، وينص على أن الرواي قد يكون غير فقيه بما يرويه، أو قد يكون أقل فقها من غيره. وكل هذا مرجعه إلى الدراية وعدمها.
وقديما كان الإمام مالك رضي الله عنه يقول "إن العلم ليس بكثرة الرواية ولكنه نور جعله الله في القلوب" ويقول "العلم والحكمة نور يهدي به الله من يشاء وليس بكثرة المسائل". (جامع بيان العلم 2/31).
فالعلم في الحقيقة إنما يتجلى في البصيرة المستنيرة النافذة، وفيما تبصره من حقائق الأمور، وليس بكثرة الجمع وكثرة الحفظ وكثرة السرد. قال ابن الجوزي رحمه الله "فترى المحدث يكتب ويسمع خمسين سنة ويجمع الكتب ولا يدري ما فيها". (تلبيس إبليس 110).
ومن هنا وجدنا الإمام الغزالي رحمه الله يوصي طالب العلم الشرعي بقوله: "فينبغي أن يكون شديد البحث عن أسرار الأعمال والأقوال، فإنه إن اكتفى بحفظ ما يقال كان وعاء للعلم ولا يكون عالما. ولذلك كان يقال: فلان من أوعية العلم. فلا يسمى عالما إذا كان من شأنه الحفظ من غير اطلاع على الحكم والأسرار" (إحياء علوم الدين 1/94)
أحمد الريسوني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.