من الطبيعي أن يموت الناس في بلد أصابه زلزال أو طوفان أو يموتون مجاعة في بلد أصابه قحط أو في بلد فيها حرب ، أو يموتون دفاعا عن وطنهم أو عن كرامتهم ، لكن أن يموتوا بالازدحام أو الزحمة في بلد للحصول على لقمة عيش أو يموتون اختناقا في مغارات مناجم مهجورة فذلك عار على الدولة و على حكوماتها و على منتخبيها . فبالأمس القريب ذهب ضحية الازدحام من أجل حفنة دقيق 16 امرأة نواحي الصويرة ، وقبلهن نساء بمعبر سبتة ثم شابان في مغارات مناجم اجرادة المهجورة ، ثم امرأتان في مقتبل العمر في معبر سبتة مرة أخرى ، وكلهم يبحثون عن لقمة عيش . فهل يعقل في بلد له بحران على امتداد الآلاف الكيلومترات و يعتبر من أكبر البلدان في العام مصدرا للفوسفات و يزخر بملايين الهكتارات من الأراضي الخصبة و له أكبر حقل للصيد البحري في إفريقيا و أروبا ، فهل يعقل أن يموت أبناءه اختناقا بالازدحام من أجل لقمة عيش ؟ فهل يعقل أن يموت أهله فيه بالزحمة من أجل كسرة خبز ؟ هل في بلد فيه معادن للذهب و الفضة و النحاس و الرخام و مقالع رمال ذات جودة عالمية يموت أهله من أجل رغيف ؟ هل يعقل أن تموت نساءه بالازدحام هروبا من معيشة ضنك ؟ و هل يعقل أن يموت شبابه هروبا من جحيم الفقر و الحاجة بالبحث عن أسباب العيش في مغارات مناجم اجرادة المهجورة أو بركوب قوارب الموت ؟ هل يحتاج سكان جبال الأطلس صداقات لا تسمن و لا تغني من جوع و لا تقهم من مخاطر الأمراض و الأمية و الأوبئة الفتاكة بقدر ما هم في حاجة إلى الاستفادة من حقهم في ثرواتهم الطبيعية التي يرونها تسحب من تحت أرجلهم من معادن و من مياه معدنية و من اشجار ناذرة من طرف اصحاب النفوذ و من ناهبي المال العام و الثروات .؟ إن المغاربة تحملوا كثيرا من أجل عيش محفوف بالمخاطر منذ الاستقلال و لم يجدوا عيشة فيها أمن و أمان و كرامة و مساواة ، إنهم ليسوا في حاجة إلى الصدقة من أحد و لم يعودوا يتحملون خطابات متكررة من لدن المسئولين و لا طقوس برلمانية تطغى عليها لعبة سؤال جواب، بل هم الآن في حاجة إلى التوزيع العادل للثروات و إلى محاسبة المفسدين و معاقبتهم و الحجز على ممتلكاتهم وإرجاع الأموال المنهوبة و المهربة . إنهم في حاجة إلى الحق في العلاج بالمجان الذي سلب منهم و الحق في تعليم عمومي و طني منتج و هادف الذي سيغلق في وجوههم . المغاربة في حاجة إلى تنمية شاملة و مندمجة لا إلى تنمية عرجاء يطغى عليها الفساد و نهب المال العام و الثروات و اقتصاد الريع و الإفلات من العقاب . المغاربة أصبحوا في حاجة إلى من يقدرهم حق قدرهم لا من يستهزئ بهم و يعتبرهم خداما و متسولين لا مواطنين لهم تاريخ حافل بالعطاء و بالنضال من أجل الحرية و الاستقلال .(يتبع )