الخط : إستمع للمقال نحن في عصر قد تتيح لك شعب الآداب أفضل مما تتيحه العلوم من فرص أحيانا، ففي الآداب عالم من الاختيارات لكونها أصبحت محكومة بعوامل غيرت مضامين المقررات، اختيارات يحكمها زمن الذكاء الإصطناعي، وزمن الرقمنة وشبكات التواصل الاجتماعي، بحيث تدخل العلوم الإنسانية بكثافة في تصميم منتجات ما بعد نهاية القرن الماضي. هناك مخيال معطوب حول جملة من التخصصات الأدبية وهو موروث ثقافي من عهد الاستعمار، ذلك الموروث الذي رفع من شأن تكوينات، وخفض إلى حد الإحتقار من تكوينات أخرى، بحيث تحول أفضل عقولنا إلى عقول تقنية محضة، وربما من تخلفنا أن شعب الباكلوريا علمي حرمت نفسها بعد الباكلوريا من خيارات واسعة وآفاق رحبة للمستقبل، على أي لقد تغير الزمن وتغيرت الحاجات أو لنقل توسعت الاختيارات، والأهم وجب القيام بمراجعة للمعطيات. لقد انهارت مقولة أدبي/ علمي وأصبحنا أمام السفر في عوالم متعددت تحتاج الى طبق مركب، فالحاصلين على شهادة البكالوريا شعبة الآداب تتاح لهم فرص قد تكون فرص ممتعة، وسعيدة إلى جانب حياة مهنية محترمة ومرغوب فيها، إن مقولة أن كليات الآداب والمعاهد والكليات المتعددة التخصصات في مدن مغربية عديدة تخرج العاطلين مقولة جامدة، ومتجاوزة، ولا تعكس الحقيقة، فمجتمعنا ومن أجل فهمه وصناعة القرار فيه بشكل ذكي يحتاج إلى علم الاجتماع. وعلوم السياسة، وظروف الحياة المعاصرة أصبحت تفرض التكوين في علم النفس، وانفتاح العالم والحركة السياحية والاقتصادية تتطلب تعلم وتدريس والتكوين على اللغات، مع الحاجة إلى الترجمة. أما الصناعات الفنية وعلى رأسها السينما فقد أصبح المجال الأدبي ضروري لها، وكم وفر المجال السمعي البصري من مناصب الشغل، وهل تستطيع المجتمعات أن تعيش بدون المسرح بشكل خاص، ومؤسسات الاعتناء بالفلسفة بشكل عام. إن ما بعد الباكالوريا منعطف مهم في الحياة، يمنح فرص تكوينية مهمة يجب اكتشافها بحسن الإستشارة وذكاء اقتناص الفرصة، بل بثقافة الاغتنام وقوة المبادرة، غير أنه وقبل ذلك يستحسن تقوية المناعة ضد خيال وتمثلات تم التأسيس لها من زمان وعلى غفلة وضعف وهي بأهمية العلوم الإنسانية، وانتشرت معها أحكام جاهزة، ومغالطات منطقية، ووجدت طبقة من السذج والبسطاء الذين روجوا ويروجون لهذا الخطاب الضعيف البئيس، وفي الغالب الأعم بشكل غير واع وبسبب الانبهار أمام نجاحات في زمن لبعض المهن العلمية، وانتشرت ثقافة لا تساندها دراسات أو معطيات ثقافية كرست أن شهادة البكالوريا المتخصصة في الآداب هي الجحيم والمجهول والتيه، والسفر في الصحراء بلا ماء ولا زاد، وأنه في الغالب ستكون حياة صعبة ومعقدة وحزينة باختصار حياة شقية!! يجب التحرر من ثنائية علمي أدبي فنحن في عصر آخر ومعطيات أخرى، ومثل هذه الشعارات علمي ذكي أدبي غبي هو الغباء بعينه، وفقدت جدوى الحديث عنها ، لأنه ثبت أننا في أفق واسع رحب يتشكل من حديد وانطلاقا من تصورات اخرى فرضها بعدها الإنساني، الذي شعر بحاجاته للآداب والفنون وعلم الاجتماع وعلم النفس ومباحث الفلسفة ودراسة التاريخ، والوعي بأهمية الجغرافية، كما الحاجة للطب بكل أقسامه، والهندسة بكل فروعها، والزراعة بما تفرضها ضرورات الحياة وعلوم الماء وما تمثله من أهمية المستقبل. لقد آن الآوان أن يفرض إدماج درس المنطق والفن والفلسفة في مؤسسات التكوين بكل أشكاله، وتعميم جرعة ذكية منها على جميع التخصصات، وفي كل المعاهد والكليات أيا كان عنوان اهتمامها! ومجال عملها، و غاية وجودها، لأنها غاية وجود الإنسان وسعادته تبقى الأسمى والأعلى. ونظرا للتساؤلات المطروحة بشأن آفاق الشعب الأدبية بعد الباكالوريا ومن أجل الوقوف على بعض الأمور الأساسية، فإن هناك كنز من المعلومات فقط بالبحث الذكي يمكن الوصول إليها، وتتيح الدراسة في المغرب الأقل واعدة لها، يكفي بحث قليل لمعرفة كثير عن زمن الدراسة في هذه التخصصات وآفاقها الواعدة. لا شك أن غاية المقال هو تصحيح فكرة آداب وعلوم، ولكن يستحسن في آخر المقالة التذكير بأن تخصص العلوم الإنسانية يدخل ضمن جوهر التجربة الإنسانية في عالم دائم التغير، لِدى أصبحت أهميته واضحة بشكل متزايد، حيث توفر إمكانات الدراسة فيها معرفة وفهم الماضي، والتنقل في الحاضر، وتصور المستقبل. ويتزايد التساؤل حول مجالات العمل في تخصص العلوم الإنسانية، والحوار هناك الألف الفرص لسبب بسيط هو اتصالها بجوانب مختلفة من الحياة الإنسانية والثقافات حول العالم وصورة الحاجة إليها لأننا لسنا آلات ولكوننا لزلنا نحتاج إلى إنسانيتنا باختصار. فدرجة الاهتمام ستدفع بالشباب أن يكتشف قارة التخصصات التي أساسها تكوين أدبي،إن هذه التخصصات بلغت من الغنى والتنوع والتعدد والثراء أكبر من اختزالها في كون باكالوريا أدبي تعني لا وجود لفرصة وبكالوريا علمي تعني أنك أمام الفرص، هذه من المقولات التي فقدت بريقها ومعناها، ويكفي الآن الإنسان أيا كان موقعه فهو يحتاج الى خبرات وتكوينات من مثل مهارات التواصل الناجح والتفكير النقدي، والحاجة إلى الروح الإبداعية، مع التعاطف والفهم الإنساني، والقدرات التحليلية، والبحثية وتفسير ومعالجة المعلومات المعقدة، وهنا يكمن أحد أوراش العلوم الإنسانية التي جعلتها ضرورية لفهم المستقبل! بل والتحكم فيه أو على الأقل رعايته وإنقاده من التطرف والعنف والصراع لأنه لا يمكن فهم الإنسان إلا بالاستعانة بالعلوم الإنسانية.