“العلاوي .. العرفة .. النهارية .. الكلال .. البندير .. والزَّمار” كلها أصناف وآلات تعتدمها فرق فلكلورية تراثية تستوطن مختلف مدن جهة الشرق؛ فرق تتزين ببياض جلابيب رجالية يزخرفها خنجر وحبال تتوارى في ظهر الراقصين والممارسين على “الغيطة والبندير”. تتعدد الرقصات الشعبية والموسيقى الشعبية المشتركة في مصطلح “الركادة” بين عدد من الأشكال الفلكلورية بجهة الشرق والتي تستمد جذورها من تاريخ المنطقة وحضارتها القائمة على فن التبوريدة، بحيث أن الفرق الموسيقية المتعددة تعتمد على حركات النقر على “البندير” والتغريد بواسطة آلة “الكلال”، التي يعتمدها شيوخ القصبة في خلق إبداع فني متوارث عبر الأجيال ومعبر عن ثقافة شعبية محلية جذورها ترتبط بالحروب والانتصارات التي حققها سكان المنطقة عبر فترات تاريخية سابقة. فالتنوع اللغوي الذي تفرضه جغرافية المنطقة الشرقية يلزم فرقها الموسيقية الشعبية على تنويع أشكال النقر والدف وأشكال الرقصات بين ثقلها وسريعها، حيث تختلف الرقصات والإيقاعات بين فرق العلاوي وفرق العرفة وفرق النهاري وغيرها من الفرق التي تنتشر عبر مدن وجدة وبركان وأحفير وجرسيف وتاوريرت ووجرادة والناظور. وتشترك كل الفرق الموسيقية الفلكلورية الشعبية بمنطقة الشرق في تغنيها بقصائد زجلية بدوية، يؤلفها “الشيوخ” وتتراوح مواضيعها بين الديني والاجتماعي والسياسي والعرفي والعاطفي، والأنتروبولوجي، حيث ينطلق الناقر على “البندير” بنقر الآلة الموسيقية في افتتاح للقصيدة الزجلية قبل أن يشرع العازف على آلة “الزمَّار” أو “الغيطة” أو “القصبة” في عزف إيقاعات متنوعة تتجاوب مع موضوع القصيدة الزجلية والحالة النفسية للذي يلقي موضوعها. وتختلف الرقصات الشعبية الفلكلورية المرتبطة بفن الركادة بين فرق المجموعات الفلكلورية، كما يختلف اللباس وشكله ولونه من فرقة لأخرى، ويظل هذا الاختلاف معبرا عن التنوع الذي تتخذ منه هذه الفرق ميراثا شعبيا ثقافيا يحتوي خزانا حضاريا وتاريخيا هاما للمنطقة. الباحث في مجال التراث الثقافي بجهة الشرق وليد والحاجي في تصريح خاص لبرلمان كوم أكد أن الفرق الموسيقية الفولكلورية بجهة الشرق ورغم تنوعها الثقافي والتراثي إلا أنها باتت تواجه تحديا كبيرا تفرضه العولمة، وباتت تشهد نفورا من طرف المجتمع بالجهة، ففي اللحظة التي كانت فرق فلكلورية تمر عبر أحياء مدن جهة الشرق تنشط مناسبات عدد من العائلات، اختفت هذه الفرق وأصبح عددها سجلا بكل الجهة على الأصابع”. وأضاف المتحدث في تصريحه أن “هذه الفرق تستمد جدورها الثقافية من التاريخ المرتبط بالقرن الماضي، بل إن أغلبها يستمد جدوره من فترة ما قبل القرن الماضي، حيث كانت الموسيقى الوحيدة بالمنطقة هي المرتبطة ب”الكلال” و”القصبة”، المرافقة لشعر زجلي يحمل من الرسائل والدلالات الثقافية المختلفة الشيء الكثير”. سلطات وجدة ومسؤوليها بدورهم أعادوا رد الاعتبار للموروث الثقافي المحلي بالجهة أعلنوا قبل سنوات ساحة سيدي عبد الوهاب بقلب المدينة، فضاء للعروض الفنية الفلكلورية الشعبية ونالت فرق الشيوخ والعرفة الحظ الأكبر من هذه الساحة، تقدم عروضها بشكل يومي، يعيد الروح لفن الركادة بالمدينة، ويجعلها أمام مرأى السياح والوالجين للمدينة، يتعرفون من خلالها على ثقافة وتراث محليين متنوعين وحضاريين.