من بين المفاجآت التي حملها تكوين لجنة النموذج التنموي الجديد، أنها ضمت في عضويتها بعضا من الجاحدين والناكرين لفضل الوطن ونعمه، من أؤلئك الذين لا يرون في البلاد إلا المُدْلَهِم من السواد. وقد تساءل بعض المغاربة هل مضى عهد كانت الطبيعة تفرض معاداة من يعادي، لأنه خارج عن إجماع الجماعة وتوافق الأمة، وهو فعل تسير عليه كل دول العالم تقريبا، بما فيها من سبقتنا تقدما ونموا؟ وهل أتى علينا زمن أصبح فيه الهائم بحب وطنه شقيا بعشقه، بينما يختال المناوئ مدللا لا مدلولا وسط المستغربين. فلجنة وزير الداخلية الأسبق شكيب بنموسى، قلبت الموازين والتوقعات، وعاكست القراءات والطموحات، وأطلت علينا بشطحات عوض أن تطل علينا بشذرات تستجيب للتطلعات. ولعل ما ينبئ ان في الطريق اعوجاجا قد لا يفيد في بناء مغرب جديد، هو استشارة من لا تنفع إستشارته، والإنصات إلى من كثرت هفواته وهانت قدراته، بل إشراك ضعاف النفوس في الإدلاء برأيهم لبناء مغرب الغد، وهذا لعمري يشبه من يبغي عند المعوج تقويم الاعوجاج. فهل ينوي بعض القائمين على نسج ملامح من مغرب الغد، أن يفرضوا على المغاربة مقاربة تدعوهم لذم الجمال، واستحقار الاستقرار، والتقرب ممن يزرعون الكراهية كرها وطواعية، وهم يعلمون أن المذمة التي تصدر عن ناقص هي دليل على الكمال؟ هل اتسع الخرق على الراقع والفتق على الراتق، حتى أصبح مدح الوطن والتتيم في حبه استهلاك للزمن وإتلاف للتعبير، بينما زرع مشاعر الخيبة والاحباط دليل على حسن التقدير؟. إن النموذج الذي يطرز أمام أعيننا ونحن ننظر اليه فارهي الأفواه، غير مصدقين كيف ترسم لوحته التشكيلية، ولا كيف تزينها ريشة هواة الألوان السوداء، ممن يشاركون في تأليف تراجيديا تحيل على فنون الدم والسب ونكران الجميل، والبصق على خيرات الوطن، ومن يتقن تشخيصها سيجد له حتما موقعا مع الخبراء والعارفين، بل وقد يحظى بالرضى المريب في الزمن الغريب. فالمغاربة لا يرغبون في نموذج يحمل من الهلاميات في تناقضاته ما قد يزرع فيهم الخيبة والإحباط، من قبيل أن يعطي الوطن خده الأيمن لمن يتقن صفعه على الخد الأيسر، والمغاربة لا يمكنهم استساغة نموذج يجعل حقد الحاقدين نَياشين تزين صدر الوطن. لقد ضمت لجنة النموذج التنموي نماذج ممن يتقنون "التطويز في زمن التلويز"، وممن يصنعون "كسكس الغرائب في عشق كل المذاهب"، كما ضمت ايضا بعضا ممن "يلعنون صابون تازة لأنهم يهيمون عشقا في حموم الكدرة"، لذا فقد وضعنا كل آمالنا في البقية ممن خبروا بمصالح الوطن وأولوياته، كي يُقوِّمون المعوج ويُرمِّمون المرتج، فلا يتركون الكفة تميل لصالح فئة تعشق الكلام العادم والنقد الهادم، أو تسعى لكي تأتي على الأخضر واليابس. وبينما التزمنا الصمت في انتظار ما يتم تحضيره في مطبخ السيد شكيب بنموسى، فاحت روائح مُنفرة، تسربت من جوانب النوافذ والأبواب، فلم نجد لها تفسيرا كي نلتمس لها عذرا او تبريرا، ومنها مثلا تلك الندوة التي استدعيت لتنشيطها "الحاجة" مايسة سلامة الناجي، وبعض ممن صاحبها بالطبل والبندير، فعجبنا لحال النموذج الجديد، وتساءلنا مستغربين: هل هذا زمن الرقص أم زمن التفكير، في مصير ومستقبل وطن بكامله؟ وإن كنا نعرف بأنه مهما تجانست الحروف بين "بنموسى" و"مايسة" فإن النفور يطبع المرجع. لقد تسامح المغاربة مع أخطاء سابقة، ومنها إطلاع فرنسا على مضمون النموذج المغربي وهو في طور التنزيل، ولكنهم لن يتسامحوا أبدا مع من يرقصون على جراحهم، مستهترين ومتهكمين وغير مبالين. أو مع من يعبثون بمستقبل أمة بكاملها، غير عابئين بمشاعر الآخرين. إننا نتقن النقد والشتم والقذف والدم مليون مرة أكثر مما يتقنون، ونخبر في زرع كلمات الخيبة والإحباط التي تنبت بسرعة شوكا في طريق الذي بكر صباحا او ذاك الذي يسري ليلا.. ولنا من العاديات من يعْدون ضبحا، ومن الموريات من يَطَأن الحجارة قدحا، وَيُغِرن صبحا، ويُثرن النقع، ويوسطن الجمع.. ولكن الذي يكبح أقلامنا ويلجم أفواهنا هو حب الأمان وعشق الجمال في هذا الوطن.. فلا تجعلوا من كل ناكر للجميل سيدا وسط أهل الجود والكرم... ولا تجعلوا العارفين بمعارفهم يحددون السكاكين ويشحذون الأسنة كي يرمونها يمينا ويسارا.. فما نحن للوطن بكَنودين وإنا على ذلك لشهداء.