ما كان لنا أن نجني على هذا العنوان ولا على هذا الصحابي الجليل، الذي هو رمز الوفاء في الإسلام، ولكن سيرة عصفورة البراري قادتنا اليوم لنتساءل عنسر غياب شيم الوفاء والصدق عند أمثالها. فقبل أن يعانق الإمام الزاهد -أبو ذَرٍّ الغفاري- عقيدة الإسلام أمره الرسول الكريم بأن يرجع إلى قومه أولا فيخبرهم، فأبى الرجوع قبل أن يُعلنَ إسلامه أمامأهل قريش قائلا: (وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، لأَصْرُخَنَّ بهَا بيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ)، فاليوم نصرخ بدورنا بحقيقة فعلك. ولعل ما دفعنا إلى متابعة كشف بعض جوانب سيرة عصفورة البراري، هي مسألة نقض العهد وخيانة الأمانة، وهي أعمال مشينة تقترن بالغدر والخداع، سواءتعلق الأمر بخيانة وطن، أو خيانة أمانة، أو شيئا ما غير، فمثقال هذه الفواحش يظل واحدا أثناء وزنها. إن من اعترفت بفعلتها في محاورات فيسبوكية مع أصدقائها (صديق من الاتحاد الاشتراكي، وصديق آخر يسمى محمود)، ثم فرت من القضاء مختفية فيصندوق سيارة يكاد لا يتسع لجسدها، لا يمكن ائتمانها على وديعة أو أمانة، لأن من يتصف بالندالة لا يمكن أن يؤمن بالعدالة. وما دام الحق يعلو ولا يعلى عليه، فلا يمكن لمن صرحت بصحة الممارسة الرضائية أن تنحو خارج هذه السكة المنعرجة، ولا يمكنها أن تزن في موازين الحق أنمن يعمل "مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره"، ذلك أن من يحجب عن عينيها حقيقة أفعالها، هي المقابح والمساوئ التي تربت عليها وسط زمرةالخونة الذين عاشرتهم وآمنت بمثالبهم. فبعد أن ثقلت أدرانها وما اجترته وراءها بسبب الفضيحة البوعشرينية، جاءتنا عصفورة البراري تطرق بابنا، وهي غير قادرة على حمل خطاها، تبكي من وخزالضمير، ومن خزي ما اقترفت يداها. نظرنا إليها برفق ورحمة، لأنها كانت منكسرة الأجنحة، ولأنها كانت تقول إن لا وجه عندها لتقابل به دواخلها، وإنها لنتعود يوما إلى معاشرة من زجوا بها في ظلمات المكر والخيانة. احتضناها غير مكترتين بما فعلت، ما دامت الندامة إقلاع وأوبة ستمحيان صفحات ما مضى وما كان. لم نعبأ بما فعل بها سلوكها وقد كان يلقي بها فيغيابات الجب، ولا بما فعلت هي بحجابها الذي مزقته قرب مسبح أحد الفنادق، ولا ولا ولا... فلكل بيت أسرار لا يعلمها إلا الواحد القهار. وبعد أشهر معدودة، كسا الريش من جديد جسد عصفورة البراري، التي أطلت يوما من شباك أميمة الخليل، وقالت لها: "خبيني عندك خبيني.. دخلك يانونو". ولم تعد تتذكر تلك الخطوات العرجاء، والتوبة النصوح التي قابلتنا بها يوما وهي تطرق الباب. ألقت بكل شئ وراء ظهرها، كما ألقت بالأمس بكل ما كان يسترجسدها: حجاب رأسها، وفضائل آدميتها. وعادت حليمة لعاداتها القديمة، نعم، عادت بخطوات أسرع من كل الأحاسيس البشرية، تخطو بلهفة ولا تلتفت إلىالوراء، إنها تهرول لكي تقيم حفل زفاف جديد لأنوثتها، و لتصنع عذرية صينية مزيفة. إنها تسابق الدقائق لتعانق من اعترفت بالأمس بأنهم جناة لليل البهيم،ولتحيي على شرفهم وهم وراء قضبان السجون، نخبا سامرا ومشفوعا بشهادات المناصرة والتضامن عبر التسجيلات والتدوينات: "البيسين والبحر والجلالبوالبال هاني، والضمير مرتاح، و"المبادئ "تربينا عليها، إما نعيشوا بها وإما ميتون بدونها...ياله". نعم المبادئء! سيدتي، إن البيض الذي سعيت لتجمعينه في قفة واحدة، يشكو إليك من غياب التجانس. وبالتالي، فلا يمكن أن يصمد في الطريق الطويل، ولو باضته دجاجةالمثل الشعبي: "سيري أدجاجة حتى لتازة". كما أن ما دنست به نفسك، لن ينفع معه صابون تازة، وسيظل أصدق ما قيل في جوارك: جاورنا قدرة طلانا حمومها وكون جاورنا الصابون نجيبو نقاه نعم، لك أن لا تخجلي من سلوكك المقرف، وأن لا تفكري مسار صحيح يحميك أمام الناظرين، فلقد استسهلت كل المسالك الذميمة: فلا خير في ود امرئ متملق إذا الريح مالت مال حيث تميل لم يحالفك التوفيق، فسعيت باحثة عن رضى الراضي، ولم يخلد لك الخالد، فجريت وراء سليمان... فتبا للزمان، نعم تبا للزمان. هل ستظلين دوما على هذا الحال، جري وسعي ولهاث، عشق فوق الأسطح وبين الأشجار في الغابات، تحت حجاب العقيدة وداخل السيارات؟ فهل من أمل ومنمآل؟. وكما بدأنا صادقين برائد الأوفياء والنبلاء، أبي ذر الغفاري، نختم بما قال فيه الرسول الكريم عن صفاته العليا في الصدق والوفاء: (ما تُقِلُّ الغَبراءُ ولا تُظِلُّالخضراءُ على ذي لهجةٍ أصدَقَ وأوفى مِن أبي ذرٍّ ...)، ذاك عن وفاء هذا الرجل، ولقد تعدّدت تضحياته التي لا يجل المقام لذكرها، ولكننا نضيف أنه كان أولمن ألقى تحية السلام في الإسلام...فالسلام عليك، أيتها السيدة، عسانا لن نعود إليك مرة أخرى.