على نحو مفاجئ، أطلق الرئيس الجزائري عبد المجيد حاشاكم، مبادرته التنويمية "لم الشمل" التي بدأ الحشد لها في القنوات الرسمية ووسائل الإعلام المكتوبة الموالية للحكومة على أنها مبادرة من الرئيس لاستقطاب المعارضين من الخارج والسماح لهم بالعودة للجزائر، مقابل تخليهم عن الخطاب الهجومي على رموز الدولة ومؤسساتها بما فيها مؤسسة العسكر والرئاسة. المبادرة تطرح أكثر من علامة استفهام حول الأوضاع السياسية بالجزائر، الدولة المثقلة بالأزمات والتجاذبات بين مختلف الطوائف والتيارات.. جزائر مريضة بمؤسساتها وسياستها واقتصادها، وبالطابع الفردي للحكم الذي يمنح سلطات مطلقة لرئيس الجمهورية على حساب التوازن بين السلطات. المبادرة تصب في مظهرها في اتجاه تماسك الجبهة الوطنية من خلال الإفراج المزعوم عن معتقلي الرأي ووقف الملاحقة الأمنية للنشطاء وفتح الإعلام العمومي للأصوات المعارضة. وفي باطنها تسعى، في عملية تنويمية خسيسة لأبناء الشعب الجزائري، إلى توفير مناخ من التهدئة من خلال الإفراج عن أصدقاء الرئيس من اللصوص الناهبين للمال العام العابثين بإرادة الشعب، على غرار أحمد أويحيى الذي حكم عليه في دجنبر 2019 ب15 سنة سجنا نافذا بتهمة تبديد المال العام ومنح امتيازات غير مبررة. الحكم مبني على اتهامات إجرامية لا شأن لها بالشأن السياسي. فالسيد أويحيى أسدى خدمات جليلة لصديقه الرئيس حاشاكم حين كان رئيسا للحكومة من 2003 إلى 2012، والرئيس تبون وزيرا آنذاك للسكنن، ثم ويرا للاتصال فوزيرا للجماعات المحلية. ومن هنا سيتأتى للرئيس حاشاكم، وهو الوريث الرئيسي للنظام العسكري الذي أوصله للسلطة قبل 30 شهرا، تسخير مبادرة "لم الشمل" لإصدار عفو خاص على لصوص "العهد البائد" مهما كان الجُرم الذي صدر في حقهم، سواء كان سياسيا أو ماليا أو حتى الخيانة العظمى، ما دام الدستور يعطيه صلاحية القيام بذلك. والمعروف عما يسمىه عبد المجيد حاشكم بالعهد البائد، وهو قطب رئيسي فيه، أنه في كل فترة يطلع أحد رموز هذا العهد بمبادرة من أجل "تماسك الجبهة الوطنية"، وأقسمت تلك الجبهة بيمينها ألا تتماسك، حيث الجرح أعمق من أن يندمل بمبادرات خسيسة على شاكلة مبادرة الرئيس المراد منها باطنيا الإفراج عن اللصوص والفاسدين ومزيفي إرادة الشعب الذين أوصلوه للحكم. فمن "قانون الرحمة" في عهد الرئيس االيامين زروال، الذي لم يرحم سوى الميسورين من طبقة الجاثمين على خيرات البلاد، ثم "قانون الوئام المدني" الذي وافته المنية في سنته الأولى، وميثاق السلم والمصالحة الوطنية" في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وهي الكذبة المدوية التي أتاحت له حكم البلاد لمدة عشرين سنة متتالية، إلى مبادرة "لم الشمل". وكل هذه المبادرات ما هي إلا تعبير قوي لا لبس فيه أن الدولة مصابة بكثير من الجمود والوهن، لأنها على حد تعبير الكاتب والإعلامي الجزائري المعارض، محمد بنشيكو "لا تقوى إلا بقوة الرئيس، ولأن كل خيوط الحكم بيده عوض أن تكون موزعة بين عدة دوائر ومستويات حتى لا تتعطل الآلة بكاملها بمجرد توقف قطعة واحدة". ومن الأكيد أن تفرز المبادرة انقسامات داخل الأحزاب السياسية، خاصة المعارضة منها، مابين من سينخرط فيها مثل حركة مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية ومن سيرفضها جملة وتفصيلا مثل بعض الأحزاب المنخرطة في تكتل البديل الديمقراطي الذي احتج على طريقة وصول الرئيس للحكم في انتخابات اعتبرها فاقدة للشرعية. وهناك من الأحزاب من سيربط قبول الدعوة بشرط الإفراج عن معتقلي الرأي ووقف ملاحقة الفاعلين السياسيين والجمعويين والحقوقيين. ومن المتوقع في هذا السياق غياب عدد من الأحزاب عن هذه المشاورات، مثل التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحزب العمال عبر زعيمته، لويزة حنون، التي انتهج حزبها في الفترة الأخيرة مواقف وسطية ساندت بعض قرارات الرئيس حاشاكم وعارضت بشدة بعضها الآخر المكسو بالمزاجية والارتجالية. أما الأوساط المثقفة الجزائرية التي لا يخفى عليها أن العهد البائد الذي يسعى الرئيس حاشاكم إلى محاربته، يتكوم من فئة الفاسدين واللصوص الذين أوصلوه للسلطة، فتلوم على الأحزاب السياسية بمختلف مشاربها، انشغالها بصراعات وانقسامات داخلية عقيمة، يصعب معها تأطير مناضليها، ومن خلالهم بزوغ تيار يقظ ينتقل من حالة البكاء على الأمجاد إلى حالة الإصلاح الحقيقي المنشود.. الأوساط المثقفة الجزائرية وخاصة الشباب المتأطرتدرك أيضا أن الرئيس تبون ما هو إلا قطعة غيار في آلة (الآلة العسكرية) مشحونة بالكذب والتزييف لها أسلوبها ومهندسوها، ويقوم هو بدور الوسيط المنتصب على رأس دولة مريضة باقتصادها ومؤسساتها وسياستها.