يقصد ملايين السياح، في كل سنة، المغرب، ويجلبون قدرا مهما من العملة الصعبة، مساهمين بذلك في إنعاش الاقتصاد الوطني، على اعتبار أن السياحة تساهم بما يقارب 10 في المائة من الناتج الداخلي للبلاد. وكانت المندوبية السامية للتخطيط قد أفادت، سنة 2018 ، بأن الناتج الداخلي الإجمالي لنشاط القطاع السياحي سنة 2017 ارتفع إلى 72.4 مليار درهم عوض 66.9 مليار سنة 2016، محققا ارتفاعا قدره 8.3%، مساهما في تكوين الناتج الداخلي الإجمالي بنسبة 6.8% أي بزيادة 0.2 نقطة مقارنة مع سنة 2016. ويستفيد المغرب من موقع جغرافي قريب وملائم جدا للسياح الأوروبيين الذين يشكلون أغلب الزوار، فضلا عن وجود شركات طيران منخفضة التكلفة بين المملكة وبلدان القارة العجوز، رغم أن الرهان في الوقت الحالي هو تشجيع السياحة الداخلية. وعرفت السياحة المغربية، على غرار مختلف بقاع العالم، تراجعا كبيرا، عقب انتشار وباء كورونا، حيث كشفت وزيرة السياحة في المغرب، نادية فتاح، خلال يونيو الماضي، أن عدد السياح في البلاد تراجع بنسبة 45 في المائة، خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي. ويختلف وقع الضرر الاقتصادي من مدينة إلى أخرى، وتعد الوجهات الداخلية الشهيرة مثل مراكش، ووارزازات، وفاس، ومكناس، وإفران… من بين الأكثر تأثرا، أما المدن الساحلية، فتراهن بشكل أكبر على فصل الصيف وقدوم المصطافين، مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول الأسس التي تعتمدها السياحة المغربية، وما إذا كانت المقومات الاعتيادية والمألوفة التي تزخر بها أغلب بقاع العالم كافية لجلب السياح من قبيل الشواطئ والغابات والجبال…، أم أنه يجب النهوض بمقومات وطنية محضة تميز وطننا عن باقي البلدان السياحية، وتجعل منه وجهة سياحة لا بديل عنها. في هذا السياق، لا بد من الحديث عن المقومات الثقافية التي يزخر بها التراب الوطني، حيث تحظى المملكة بروافد متعددة صنعت زخما كبيرا وتنوعا يحيّر الباحثين. ويعود التنوع الثقافي المغربي للموقع الإستراتيجي للمغرب، فهو قريب من شبه الجزيرة الإيبيرية ومنفتح على الصحراء الكبرى وأفريقيا والمشرق، ومنفتح على ثقافات أخرى كان لها كبير الأثر في هذا التنوع الثقافي واللغوي الذي يشمل الأمازيغي، والعربي الإسلامي، والحساني والأندلسي الموريسكي، والأفريقي، واليهودي، والمتوسطي. كما يشير التراث المعماري المغربي، بما في ذلك الأسوار والمدن العتيقة والمساجد والقصور والقصبات، إلى الثقافة المغربية المتنوعة والزاخرة بالعادات والتقاليد والطبائع التي تجعلها مميزة عن غيرها، وبالتالي أصبح لزاما إبراز كافة هذه المكونات التي تميز المملكة وتقديمها للزوار. ومن خلال ما تم الإشارة إليه آنفا، يثار السؤال المحوري لهذا الملف الذي فتحته بيان اليوم، حول "أي دور للثقافة والتراث في تحريك عجلة السياحة"، والذي تواصلت بشأنه الجريدة مع عدد من الأسماء الوازنة المهتمة بالثقافة والتراث والسياحة ودورها في تحريك عجلة التنمية، لاستقاء آرائهم ومواقفهم، بغية المساهمة في رسم خريطة الطريق للنهوض بالسياحة الوطنية، بعد الآثار السلبية اتي خلفتها جائحة كورونا. وقبل المرور لمواقف ضيوفنا في هذا الملف، لا بد من الإشارة إلى أن هناك مدن مغربية عديدة تزخر بمؤهلات ثقافية مهمة يمكن النهوض بها لتشجيع السياحة بشقيها الداخلي والخارجي، من قبيل مدن أزمور، وكلميم، وآسفي، ودمنات، وشفشاون، ووارزازات….. وفي هذا السياق، أصبح لزاما عدم الاكتفاء ببناء المركبات السياحية والفنادق والقرى السياحية، رغم أن هذه أمور لا غنى عنها، ويمكن اعتبارها من المسلمات، بل بات الوضع يتطلب بذل مجهودات كبرى لتحسين البنيات التحتية بالبلاد، من خلال تشييد الطرق، وتعزيز الطرق السيارة، والمستشفيات والمراكز الصحية، وتوفير النقل الجيد، وإعداد المواطن المغربي لاستقبال السياح الأجانب حتى تصبح لدينا ثقافة سياحية، إلى جانب نهج سياسة عمومية حقيقة للنهوض بالثقافة والمعمار الوطنيين. إن السلطات العمومية، وعلى رأسها وزارة السياحة، تنهج سياسة عمومية غير شمولية، باعتمادها أكثر على إعداد وتهيئة السواحل التي تتطلب قدرات مالية وتقنية مهمة، وتغفل عن السياحة الثقافية، خاصة بالمدن العتيقة والقصبات... فبعد مرور أكثر من خمس سنوات على انتهاء رؤية 2010، لم يتعد عدد السياح الأجانب الوافدين على بلادنا 10 مليون سائح؟ أي بات رقما ثابتا بعدما راهنت وزارة السياحة على جلب 20 مليون سائح في أفق سنة 2020، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يتم استكمال العدد بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، وكذلك الأمر بالنسبة للإيرادات المحققة التي لن تتجاوز 56 مليار درهم عند نهاية سنة 2010، علما أنها بلغت، سنة 2015 ما مجموعه 59 مليار درهم.