قليلون من يطرحون على أنفسهم سؤالا متعلقا بكرة القدم: لماذا تجري المقابلة بين أحد عشرة لاعبا بالضرورة وليس أقل أو أكثر؟ حتى أولئك الذين يدعون خبرتهم في هذا الميدان سواء من خلال التدريب أو غيره، قد لا نجد لديهم الجواب، مع أن هذا له ارتباط بالتاريخ. تاريخ كرة القدم وتقنياتها، ليس موضوع هذه الورقة. ما أود الوقوف عنده، ذلك الارتباط الوثيق والذي يزداد وثاقة بين كرة القدم والسياسة تحديدا. دافعي إلى ذلك، ما أسفرت عنه منافسات كأس العرب في كرة القدم المقامة حاليا بقطر، حيث شاء القدر أن يلتقي منتخبنا بمنتخب الجزائر في ربع النهاية، فبمجرد أن تأكد ذلك، سارع مواطنو البلدين إلى التعبير عن مواقفهم من هذه المقابلة، انعكس ذلك بالخصوص من خلال التدوينات التي ما فتئوا يسطرونها في صفحاتهم الاجتماعية بالموازاة مع ما تنشره الصحافة من أخبار وتعاليق. لكن هذه التعابير لم تقف عند حدود كرة القدم باعتبارها رياضة، بل امتدت إلى شؤون السياسة، والعلاقة المتأزمة التي طالت بين البلدين الجارين. هناك من عاد بذاكرته إلى سنوات خلت، حين قام المغفور له الحسن الثاني بتعيين تشكيلة المنتخب بنفسه واقتراح خطة اللعب، على إثر انهزام منتخبنا أما المنتخب الجزائري بحصة كبيرة في عقر دارنا، حسب التعبير الذي يستعمله عادة المعلقون الرياضيون.. وهناك من اقترح أحد المحللين السياسيين المعروفين ببلادنا لأجل تحليل المقابلة في قناة تلفزيونية شهيرة.. وهناك من تحدث عن النظام العسكري الجزائري وهو يذكر هذه المباراة ويقوم بالتالي بعملية ربط عجيبة.. وهناك من زج بالرئيس عبد المجيد تبون في هذه المباراة لأجل السخرية.. وهناك من استعمل مصطلحات عادة ما يوظفها العسكريون في حديثهم عن الخطط الحربية.. وهناك من تحدث عن أن المباراة ستكون حارقة، لا لشيء سوى لأن بين بلدينا أزمة سياسية.. وهناك من تحدث عن العلاقات بين المغرب وإسرائيل في الوقت نفسه الذي يذكر المباريات التي أجراها منتخبنا خلال الدور الأول من هذه المنافسات مع فلسطين.. وهناك.. وهناك.. كلها تعابير وتأويلات أصر أصحابها على التأكيد على أن المقابلة التي ستجري بين المنتخبين المغربي والجزائري، هي ذات طابع سياسي أكثر من أنها مجرد لقاء في كرة القدم. وأنا أتأمل معظم الأفكار التي تم التعبير عنها ارتباطا بالمقابلة المرتقبة بين بلدينا التي تجمع بينهما عدة أواصر: اللغة، الدين، التقاليد.. تساءلت: ماذا لو توقفنا عن السباق نحو التسلح العسكري ودق طبول الحرب وعوضنا ذلك بالمقابلات الرياضية التي تجمع واعتبارها الفيصل والحكم في إنهاء كافة الخلافات السياسية القائمة بيننا؟ من ينتصر على الآخر، يكون له الحق في فرض موقفه السياسي. يبدو أن هذه الفكرة عبارة عن مزحة، لكن ما أردت أن أرمي إليه هو أن المنافسات الرياضية خلقت لأجل التقارب بين الشعوب. غير أننا مع مرور الزمن، قمنا بإفراغها من محتواها الجوهري.
