وفي يديكَ داليةُ الأعمارِ تُبتكَرُ أتعبت أم اتعبك الانتظار؟ أرحلت واقفا عصيا على الكفن، أم تراك وليت وجهك نحو الغروب وميلتك الظلال حيث تمشِي، ومشيْت ومشَى في يوم مشْيك الشّجر؟. كم أخذت من أغراضك، وكم تمتمت من آخر رسائلك لابنك الذي خرج من صلبك ولم يعد، تركك تكبر وتصغر وتشيب وتشبّ، ماذا قلتَ لرفيقة درب الألم والانتظار؟ ماذا كانت آخر وصاياك، هل قلتَ لها لا تستسلمي واصلي الحلم باللقاء، واصلي حقك في أن تعانقي الحسين يوما، وهاهو قد عاد رجلا شامخا على حصان أبيض، يحمل السيف في يمينه وعلى يساره تنقب الطّيور من أكفّه خبزا يابسا، وخلفه شعبٌ يهتف بالحرية وأرى كلّ الجلادين يساقون إلى المقاصل قطعانا... كيف وجدك الموت أبانا المانوزي، هل كنت نائما كغير عادتك، هل أخبرته أن الحسين خرج ولم يعد، هل أخبرته أنّك مازلتَ لم تغير عتبة بابك حتى يعود الحسين، هل كان ملك الموت يبتسم، أم اعلن تضامنه معك وقال: "لابدّ للحقيقة أن تظهر يوما"، هل أحرجتهُ بأسئلتك الحارقة والمحرقة، هل أخبرته أنّ كل رفاقه لن ينسوا الحسين،...ماذا كان رده عندما أقبل على قلبك المجروح، والممتلئ بانتكاسات وأحزان بحجم سنوات الاختطاف والرصاص، هل أخذ روحك وترك القلب لأهله، ولنا، حتى نهديه للحسين يوم سيعود... ربّما نسي عنوان المنزل ونسي رقم الهاتف...وكبُرت لحيته وصار صوته خشنا، لقد تعلّم في بيت الجلاد كيف يطعم نفسه، ويغسل يديه، ويعتمد على نفسه، لا مناص أنّ عيونه تورّمت من شدّة البكاء شوقا للأمّ التي هان عظمها واشتعل رأسها شيبا؛ وهي لا تزال تعدّ لك الحضن، وتنتظر يوم تأتي ذات مساء وأنت متعبٌ جدّا، فتُرمى عليك، وربّما ستزغرد وستبكِي، وستقول لك "نوض بدّل دوك لْحوايج، نسخّن ليك لْما تعُوم"... وأنت الآن تتثنَّى في مشيك نحو ذاك الأفق الأبيض، وخلفك ألف سؤال وسؤال، وحرقة الحسين تزيد في جسدك المُنهك اشتعالا، وجمار ليالي العذاب والأرق الطّوال تزيد قلبك لوعة واحتراقا... أبانا المانوزي، كنتَ يعقُوبا صبوراً، والحسين لم تأكله الذئاب وإن جاؤوك عشاءً يبكُون، لم يغمض لك جفن ولا هدأ لك بال، الحسين لم يرموه في الجبّ ولا قتلوه، ما سجنوه وما عذّبوه، ما صلبوا غير جسده، أما روحه فأراها في كلّ أجساد رفاقه، ترفرف عاليا وتعصى على القيد، وعلى الموت... أبانا المانوزي؛ نمْ قرير العيْن، الحسين لم يمُت، في كلّ وطن حسين، وفي الحسين كلّ الأوطان !! إلى طهارة روح